وأمّا ابن المعتز فقد ولد في سنة سبع وأربعين ومائتين ، فلمّا أيفع وبلغ السنّ التي يقول فيها الشعر كان ابن الرومي قد جاوز الأربعين أو ضرب في حدود الخمسين ، ولمّا بلغ واشتهر له كلام يروى في مجالس الأدباء كان ابن الرومي قد أوفى على الستّين وفرغ من التعلّم والاقتباس ، ولو انعكس الأمر وكان ابن المعتزّ هو السابق في الميلاد لما أخذ منه ابن الرومي شيئاً ، أو لكان أفسد سليقته بالأخذ عنه ، لأنّ ابن المعتزّ إنّما امتاز بين شعراء بغداد في عصره بمزاياه الثلاث ، وهي البديع والتوشيح والتشبيه بالتحف والنفائس. وابن الرومي لم يُرزق نصيباً معدوداً من هذه المزايا ، ولم يكن قطُّ من أصحاب البديع وأصحاب التوشيح أو أصحاب التشبيهات التي تدور على الزخرف ، وتستفيد نفاستها من نفاسة المشبّهات.
تاريخ وفاته :
قال ابن خلّكان (١) : توفّي يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين. وقيل ست وسبعين ومائتين ، ودفن في مقبرة باب البستان.
والذين جاءوا بعد ابن خلّكان تابعوه في هذا الشكّ ، ولا مسوّغ لهذا الشكّ لأمور (٢).
الأوّل : قوله :
طربتُ ولم تطرب على حين مطربِ |
|
وكيف التصابي بابن ستّينَ أشيبِ |
فبملاحظة تاريخ ولادته المتسالم عليه بين أرباب المعاجم يوافق ستّين مع سنة (٢٨١) ، فهو لم يمت في سنة (٢٧٦) على التحقيق. ولا يُظنّ أنّ الستّين هنا تقريبيّة لضرورة الشعر ، فإنّه ذكر الخمس والخمسين في موضع آخر ، حيث قال :
__________________
(١) وفيات الأعيان : ٣ / ٣٦١ رقم ٤٦٣.
(٢) نحن نذكر ملخّصها. (المؤلف)