حادث شوّه صحائف التأليف
هناك فكرةٌ غير صالحة ، وإن شئت قلت بدعةٌ سيّئةٌ فتَحت على الأمّة باب التقوّل بمصراعيه ، وعنها تتشعّب شُجنة (١) الإفك في الحديث ، وينبعث القول المزوّر ، وإليها يستند كلُّ بهرجة وسفسطة ، ألا وهي : هذه الخطّة الحديثة في التأليف ، واتّخاذ هذا الأسلوب الحديث الذي يروق بسطاء الأمّة ويسمّونه تحليلاً ، ويرونه حسناً في الكتابة.
هذه الفكرة هي التي خفّت بها وطأة التأليف ـ وطأة حزونته ـ وكثر بذلك المؤلِّفون ، فجاء لفيفٌ من الناس يؤلّف وكلٌّ منهم سلك وادي تُضُلّل (٢) ، ولا يخنق على جِرَّته (٣) ويرمي القول على عواهنه ، وينشر في الملأ ما ليس للمجتمع فيه درك ، فيتحكّم في آرائه ، ويكذب في حديثه ، ويخون في نقله ، ويحرّف الكلم عن مواضعه ، ويقذف من خالف نحلته ، وينسبه إلى ما شاءه هواه ، ويسلقه بالبذاء ، ولا يكفف عنه لغبه (٤).
__________________
(١) الشجنة ـ بكسر الشين وضمّها ـ : شعبة من غصن من غصون الشجرة.
(٢) مثل يضرب لمن عمل شيئاً فأخطأ فيه [مجمع الأمثال : ٢ / ١٢٢ رقم ١٨٢٧]. (المؤلف)
(٣) مثل يضرب لمن يعجز عن كتمان ما في نفسه [مجمع الأمثال : ٣ / ١٦٨ رقم ٣٥٤١ ، والجِرّة : ما يخرجه البعير وكلّ ذي كرش يجترّ من بطنه ليمضغه ثم يبلعه]. (المؤلف)
(٤) اللغب : الكلام السيّئ الفاسد.