هذه الفكرة هي التي جرّت على الأمّة شية العار ووصمة الشنار ، ورمتها بثالثة الأثافي ، ومدّت يد الفحشاء على التأليف ، وأبدت في صفحاته وصمات سوء ، فراح شرف الإسلام ، وأدب الدين ، وأمانة النقل ، ومكانة الصدق ، ضحيّة الميول والشهوات ، ضحيّة الأهواء والنزعات الباطلة ، ضحيّة الأقلام المستأجرة.
هذه الفكرة هي التي شوّهت وجه التأليف ، وجنت بها الأقلام ، وولّدت في القلوب ضغائن ، فجاء المفسّر يؤوّل القرآن برأيه ، والمحدّث يختلق حديثاً يوافق ذوقه ، والمتكلّم يذكر فِرَقاً مفتعلة ، والفقيه يفتي بما يحبّذه ، والمؤرّخ يضع في التاريخ ما يرتضيه ، كلّ ذلك قولاً بلا دليل ، وتحكّماً بلا بيّنة ، وتكلّماً بلا مأخذ ، ودعوى بلا برهان ، وتقوّلاً بلا مصدر ، وكذباً بلا مبالاة ، وإفكاً بلا تحاش.
(فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (١).
والقارئ يجد مثال هذه كلّها نصب عينيه في طيّ كتاب الصراع بين الإسلام والوثنيّة ، والوشيعة في الردّ على الشيعة ، وفجر الإسلام وضحاه وظهره ، والجولة في ربوع الشرق الأدنى ، والمحاضرات للخضري ، والسنّة والشيعة ، والإسلام الصحيح ، والعقيدة في الإسلام ، وخلفاء محمد ، وحياة محمد لهيكل ، وفي مقدّمها كتاب حياة محمد لإميل درمنغم.
فخلوُّ تأليف الشرقيِّ المسلم عن ذكر المصادر نسايةٌ للكتاب والسنّة ، وإضاعةٌ لأصول العلم ، وجنايةٌ على السلف ، وتفويتٌ لمآثر الإسلام ، وعملٌ مُخْدج (٢) ، وسعيٌ أبتر ، وليس من صالح الأمّة ولا من صلاح المجتمع الإسلامي ، وسيأتيه يومٌ وهو يقرع سنّ نادم.
وإنّ تأليفاً هو هكذا لا يمثّل في علومه ومعارفه إلاّ نفسيّة مؤلِّفه وأنظاره ، ولا
__________________
(١) البقرة : ٧٩.
(٢) الخداج : النقصان.