ولا كُلّفها ، وهو متصرّفٌ بينهم في أموره ، فلو لا أنَّه رأى الحقَّ فيها واستدرك أمره ، فبايع طالباً حظَّ نفسه في دينه راجعاً إلى الحقّ لما بايع.
دعا الأنصار إلى بيعة سعد بن عبادة ، ودعا المهاجرون الى بيعة أبي بكر ، وقعد عليّ رضى الله عنه في بيته لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، ليس معه أحد غير الزبير بن العوام ، ثمَّ استبان الحقّ للزبير رضى الله عنه فبايع سريعاً ، وبقي عليّ وحده لا يرقب عليه.
الجواب : أنا لا أحوم حول هذا الموضوع ، ولا أولّي وجهي شطر هذه الأكاذيب الصريحة ، ولا أقابل هذا التدجيل والتمويه على الحقيقة والجناية على الإسلام وتاريخه ، لكنّي أقول : إقرأ هذا ثمّ انظر إلى ما ذكره الأستاذ الفذّ عبد الفتّاح عبد المقصود في كتابه ـ الإمام عليّ بن أبي طالب (١) (ص ٢٢٥) ـ فإنَّه زبدة المخض ، قال :
واجتمعت جموعهم آونة في الخفاء وأخرى على ملأ يدعون إلى ابن أبي طالب ، لأنَّهم رأوه أولى الناس بأن يلي أمور الناس ، ثمَّ تألّبوا حول داره يهتفون باسمه ويدعونه أن يخرج إليهم ليردّوا عليه تراثه المسلوب ، ... فإذا المسلمون أمام هذا الحدث مخالف أو نصير ، وإذا بالمدينة حزبان ، وإذا بالوحدة المرجوّة شقّان أوشكا على انفصال ، ثمَّ لا يعرف غير الله ما سوف تؤول إليه بعد هذا الحال ، ... فهلاّ كان عليّ كابن عبادة حريّا في نظر ابن الخطّاب بالقتل حتى لا تكون فتنة ولا يكون انقسام؟
كان هذا أولى بعنف عمر إلى جانب غيرته على وحدة الإسلام ، وبه تحدّث الناس ولهجت الألسن كاشفة عن خلجات خواطر جرت فيها الظنون مجرى اليقين ، فما كان لرجل أن يجزم أو يعلم سريرة ابن الخطّاب ، ولكنَّهم جميعاً ساروا وراء الخيال ، ولهم سند ممّا عرف عن الرجل دائماً من عنف ومن دفعات ، ولعلَّ فيهم من
__________________
(١) المجموعة الكاملة للإمام عليّ بن أبي طالب عليهالسلام : مج ١ / ج ١ / ١٨٩ ـ ١٩١.