نظراء ابن قتيبة والجاحظ والخيّاط ، ممّن شُوِّهت صحائف تآليفهم بالإفك الفاحش ، وعرّفهم التاريخ للمجتمع بالاختلاق والقول المزوّر ، فجاء القصيمي بعد مضيِّ عشرة قرون على تلك التافهات والنسب المكذوبة يجدِّدها ويردُّ بها على الإماميّة اليوم ، ويتّبع الذين (قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ) (١) (فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ) (٢).
هب أنَّ للرجلين ـ بيان وكسف ـ وجوداً خارجيّا ومعتقداً كما يزعمه القائل ، وأنَّهما من الشيعة ـ وأنّى له بإثبات شيءٍ منها ـ فهل في شريعة الحِجاج ، وناموس النصفة ، وميزان العدل ، نقد أمّة كبيرةٍ بمقالة معتوهين يُشكُّ في وجودهما أوّلاً ، وفي مذهبهما ثانياً ، وفي مقالتهما ثالثاً ...؟
٢ ـ قال : ذكر الأمير الجليل شكيب أرسلان في كتاب حاضر العالم الإسلامي (٣) ، أنَّه التقى بأحد رجال الشيعة المثقّفين البارزين ، فكان هذا الشيعيُّ يمقت العرب أشدَّ المقت ، ويُزري بهم أيّما إزراء ، ويغلو في عليِّ بن أبي طالب وولده غلوّا يأباه الإسلام والعقل ، فعجب الأمير الجليل لأمره ، وسأله : كيف تجمع بين مقت العرب هذا المقت وحبّ عليٍّ وولده هذا الحبّ؟ وهل عليٌّ وولده إلاّ من ذروة العرب وسنامها الأشمّ؟ فانقلب الشيعيُّ ناصبيّا ، واهتاج وأصبح خصماً لعليٍّ وبنيه ، وقال ألفاظاً في الإسلام والعرب مستكرهة (١ / ١٤).
الجواب : هذا النقل الخرافيُّ يسفُّ بأمير البيان إلى حضيض الجهل والضعة ، حيث حكم بثقافة إنسان وبروزه والى أناساً وغَلا في حبِّهم ردحاً من الزمن وهو
__________________
(١) المائدة : ٧٧.
(٢) الأنعام : ١١٢.
(٣) كتاب يفتقر جدّا إلى نظارة التنقيب ، ينمّ عن قصور باع مؤلّفه ، وعدم عرفانه بمعتقدات الشيعة ، وجهله بأخبارهم وعاداتهم ، غير ما لفّقه قومه من أباطيل ومخاريق ، فأخذه حقيقة راهنة وسوّد به صحائف كتابه بل صحائف تاريخه. (المؤلف)