وشيوخنا بالشام يقولون : من حفظ للطائيَّين (١)) أربعين قصيدة ولم يقل الشعر فهو حمار في مسلاخ إنسان ، فقلت الشعر وسنّي دون العشرين ، وبدأت بعمل مقصورتي التي أوّلها
لو لا التناهي لمْ أُطِعْ نهيَ النهى |
|
أيَّ مدىً يطلبُ من جازَ المَدى |
وقال أبو عليّ (٢) : كان أبي يحفظ للطائيَّين سبعمائة قصيدة ومقطوعة سوى ما يحفظ لغيرهم من المحدثين والمخضرمين والجاهليّين ؛ ولقد رأيت له دفتراً بخطِّه ـ هو عندي ـ يحتوي على رءوس ما يحفظه من القصائد مائتين وثلاثين (٣) ورقة أثمان منصوري لطاف ، وكان يحفظ من النحو واللغة شيئاً عظيماً مع ذلك ، ـ إلى أن قال ـ : وكان مع ذلك يحفظ ويجيب فيما يفوق عشرين ألف حديث ، وما رأيت أحدا أحفظ منه ، ولولا أنّ حفظه افترق في جميع هذه العلوم لكان أمراً هائلاً.
تآليفه
إنّ تضلّع المترجم في العلوم الجمّة ، وشهرته الطائلة في جلِّ الفنون النقلية والعقلية والرياضية ، وتجوّله في الأقطار والأمصار ، تستدعي وجود تآليف له قيِّمة ، كما قال ولده أبو عليّ : إنّ له في علم العروض والفقه وغيرهما عدّة كتب مصنّفة ، وقال الحموي (٤) : إنّ له تصانيف في الأدب ، منها كتابٌ في العروض ، قال الخالع : ما عمل في العروض أجود منه ، وكتاب علم القوافي. وذكر السمعاني واليافعي وابن حجر وصاحب الشذرات له ديوان شعر ، واختار منه الثعالبي ما ذكر من شعره ، وسمعت فيما يتبع شعره في الغدير. نقل الحموي عن ديوانه بائيّته كغيرها ، وذكر المسعودي له
__________________
(١) هما أبو تمام والبحتري.
(٢) نشوار المحاضرة : ٧ / ٢٠٣.
(٣) في المصدر : نيّف وثلاثين.
(٤) معجم الأدباء : ١٤ / ١٦٣.