ويردُّ على الكميت مناقبه بنزار أوّلها :
أفيقي من ملامك يا ظعينا |
|
كفاني اللوم مرُّ الأربعينا |
وهي نحو ستمائة بيت فاشتهيت حفظها لما فيها من مفاخر اليمن وأهلي ، فقلت : يا سيِّدي تخرجها إليّ حتى أحفظها ، فدافعني فألححت عليه فقال : كأنّي بك تأخذها فتحفظ منها خمسين بيتاً أو مائة بيت ثمّ ترمي بالكتاب وتخلقه عليّ. فقلت : ادفعها إليَّ.
فأخرجها وسلّمها إليّ وقد كان كلامه أثّر فيّ ، فدخلت حجرةً كانت برسمي من داره فخلوت فيها ولم أتشاغل يومي وليلتي بشيءٍ غير حفظها.
فلمّا كان في السحر كنت قد فرغت من جميعها وأتقنتها ، فخرجت إليه غدوةً على رسمي فجلست بين يديه. فقال : هِي (١) ، كم حفظت من القصيدة؟ فقلت : قد حفظتها بأسرها. فغضب وقد رآني قد كذبته وقال لي : هاتها.
فأخرجت الدفتر من كمِّي ، فأخذه ، وفتحه ، ونظر فيه وأنا أنشد ، إلى أن مضيت في أكثر من مائة بيت. فصفّح منها عدّة أوراق وقال : أنشد من هاهنا. فأنشدت مقدار مائة بيت إلى آخرها ، فهاله ما رآه من حسن حفظي ، فضمّني إليه وقبّل رأسي وعيني ، وقال : بالله يا بُنيّ لا تخبر بها أحداً فإنّي أخاف عليك من العين.
وذكر ابن كثير هذه القصّة ملخّصاً في تاريخه (٢) (١١ / ٢٢٧).
وقال أبو عليّ (٣) أيضاً : حفّظني أبي وحفظت بعده من شعر أبي تمام والبحتري سوى ما كنت أحفظ لغيرهما من المحدثين والقدماء مائتي قصيدة ، قال : وكان أبي
__________________
(١) كلمة تفيد التلهّف.
(٢) البداية والنهاية : ١١ / ٢٥٧ حوادث سنة ٣٤٢ ه.
(٣) نشوار المحاضرة : ٢ / ١٤٢.