نعرات الجاهلية الأولى
(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى)
(الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) (١)
ربّما يجد الباحث في بعض تآليف المستشرقين في التاريخ الإسلامي رمزاً من النزاهة في الكتابة والأمانة في النقل ، وخلوّ كلّ محكيٍّ عن أيِّ مصدر ـ هبه غير وثيق ـ من التحريف والتصرُّف فيه ، وتجرّده عن سوء صنيع الكتبة ، وبعده من الاستهتار ، وهذا جمال كلّ تأليف وشأن كلّ مؤلّف مهما كان شريف النفس ، وهو حقُّ كلّ رائد ، والرائد لا يكذب أهله.
غير أنّ في القوم من ألَّف وسخف ، (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٢). فكأنّ الجهل لم يمت بعد وقد مات أبو جهل ، ولهب الضلال لم يخمد بعدُ وقد اتّقد أبو لهب في درك الجحيم ، وكأنّ الدنيا ترجع إلى ورائها القهقرى ، وعاد الإسلام كشمس كادت تكون صلاءً (٣).
__________________
(١) محمد : ٢٥.
(٢) الأحقاف : ٢٦.
(٣) مثل يضرب في قلّة الانتفاع بالشيء [مجمع الأمثال : ٣ / ٥٠ رقم ٣١٢٤]. (المؤلف)