قصيدته المقصورة التي عارض بها ابن دريد ، يمدح فيها تنوخ وقومه من قضاعة أوّلها :
لو لا انتهائي لم أُطِعْ نهي النهى |
|
مَدى الصِّبا نطلبُ من جاز المدى |
إن كنتُ أقصرتُ فما أقصر قل |
|
ـ بٌ دامياً ترميه ألحاظُ الدُّمى |
ومقلةٌ إن مقلت أهلَ الفضا |
|
أغضتْ وفي أجفانِها جمرُ الغضا |
وفيها يقول :
وكم ظباءٍ رعيُها ألحاظَها |
|
أسرعُ في الأنفس من حدِّ الظُّبا |
أسرعُ من حرفٍ إلى جرٍّ ومن |
|
حبٍّ إلى حبّة قلبٍ وحشا |
قضاعةٌ من مَلِكِ بنِ حِمْيَرٍ |
|
ما بعده للمرتقين مرتقى |
وقال أبو عليّ في نشوار المحاضرة (١)) : إنّ ما ضاع من شعره أكثر ممّا حُفظ. انتهى. غير أنّ هذه الكتب قد عصفت عليها عواصف الضياع ، كما أنّ التصدِّي لمنصب القضاء عاقه عن الإكثار من التأليف على قدر غزارة علمه.
مذهبه
من العويص جدّا البحث والتنقيب عن مذهب من نشأ في مثل القرن الثالث والرابع ، عصر التحزّب للآراء والنزعات ، عصر تشتّت الاعتقادات ، عصر تكثّر النِّحَل ، وتوفّر الدواعي على انتحال الرجل لما يخالف عقده القلبي ، وتظاهره بما لا يظهره سرّ جنانه ، وقد قضت الأيّام ، ومرّت الأعوام على آثارهم ونتائج أفكارهم ممّا كان يمكننا منه استظهار المعتقدات ، وحكم الدهر على منشور فلتات ألسن كانت تعرب عن مكنون الضمائر ، وتقرأ علينا دروس الحقيقة من جانب مذهب الغابرين.
__________________
(١) نشوار المحاضرة : ٤ / ٦٤.