أنا لم أجد في قاموس البيان ما يعرب عن حقيقة الشهرستاني وكتابه ، وكلّ ما ذكر من تقوّلاته وتحكّماته يقصر عن استكناه بُجره وعُجره (١)) ، غير أنَّ لمعاصره أبي محمد الخوارزمي كما في معجم البلدان (٢) (٥ / ٣١٥) كلاماً ينمُّ عن روحيّاته وإليك نصّه. قال بعد ذكر مشايخه في الفقه وأصوله والحديث :
ولولا تخبّطه في الاعتقاد وميله إلى هذا الإلحاد لكان هو الإمام ، وكثيراً ما كنّا نتعجّب من وفور فضله وكمال عقله ، وكيف مال إلى شيءٍ لا أصل له ، واختار أمراً لا دليل عليه لا معقولاً ولا منقولاً ، ونعوذ بالله من الخذلان والحرمان من نور الإيمان ، وليس ذلك إلاّ لإعراضه عن نور الشريعة ، واشتغاله بظلمات الفلسفة ، وقد كان بيننا محاورات ومفاوضات ، فكان يبالغ في نصرة مذاهب الفلاسفة والذبِّ عنهم ، وقد حضرت عدّة مجالس من وعظه فلم يكن فيها لفظ : قال الله ، ولا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا جواب من المسائل الشرعيّة ، والله أعلم بحاله.
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ)
(وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٣)
__________________
(١) أي أموره كلّها باديها وخافيها. وأصل العُجرة نفخة في الظهر ، فإذا كانت في السرّة فهي بُجرة.
(٢) معجم البلدان : ٣ / ٣٧٦.
(٣) الجاثية : ٢٣.