فإنّها مجمعة على أنَّها مدنيّة ، فهل الأمّة أجمعت فيها على خلاف ما اتّفق عليه العلماء ، إن صحّت مزعمة ابن تيميّة؟ (فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ* وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ* وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ) (١).
ورابعاً : إنَّ القائلين بأنَّ فيها آية أو آيات مكّية كالحسن ، وعكرمة ، والكلبي ، وغيرهم مصرِّحون بأنَّ الآيات المتعلّقة بقصّة الإطعام مدنيّة.
وخامساً : لا ملازمة بين القول بمكّيتها وبين نزولها قبل الهجرة ، إذ من الممكن نزولها في حجّة الوداع ، بعد صحّة إرادة عموم قوله : وأسيراً للمؤمن الداخل فيه المملوك ، كما قاله : ابن جبير ، والحسن ، والضحّاك ، وعكرمة ، وعطاء ، وقتادة ، واختاره ابن جرير وجمعٌ آخرون.
١٦ ـ قال : قوله ـ يعني العلاّمة الحلّي ـ : إيجاب مودّة أهل البيت بقوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (٢) غلط ، وممّا يدلُّ على هذا أنَّ الآية مكّيةٌ ، ولم يكن عليٌّ بعدُ قد تزوّج بفاطمة ولا ولد لهما أولاد (٢ / ١١٨).
وقال في (ص ٢٥٠) : أمّا قوله ـ يعني العلاّمة ـ : وأنزل الله فيهم : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) فهذا كذبٌ ، فإنَّ هذه الآية في سورة الشورى وهي مكّيةٌ بلا ريب ، نزلت قبل أن يتزوّج عليّ بفاطمة ، وقبل أن يولد له الحسن والحسين ـ إلى أن قال ـ : وقد ذكر طائفة من المصنِّفين من أهل السنّة والجماعة ، والشيعة من أصحاب أحمد وغيرهم حديثاً عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : إنَّ هذه الآية لمّا نزلت قالوا : يا رسول الله من هؤلاء؟ قال : «عليٌّ وفاطمة وابناهما». وهذا كذبٌ باتِّفاق أهل المعرفة بالحديث ، وممّا يبيِّن ذلك أنَّ هذه الآية نزلت بمكّة باتِّفاق أهل العلم ، فإنَّ سورة الشورى جميعها مكّيةٌ ، بل جميع آل حميم كلّهن مكّيات.
__________________
(١) الحاقّة : ٤٧ ٤٩.
(٢) الشورى : ٢٣.