وتمتثل أوامره ، فلا يدع معرّة إلاّ اكتسحها ، ولا صلاحاً إلاّ بثّه ، والشيعة لا تقول بحصر الخلافة في آل عليٍّ : إلاّ بعد إخباتها إلى سريان ناموس العصمة في رجالات بيتهم المعيّنين للخلافة المدعومة بالنصوص النبويّة المتواترة. راجع (ص ٧٩ ـ ٨٢) من هذا الجزء.
٤ ـ قال : وعلى الجملة فإنَّ الحسين أخطأ خطأً عظيماً في خروجه هذا ، الذي جرّ على الأمّة وبال الفرقة والاختلاف ، وزعزع عماد أُلفتها إلى يومنا هذا ، وقد أكثر الناس من الكتابة في هذه الحادثة لا يريدون بذلك إلاّ أن تشتعل النيران في القلوب ، فيشتدُّ تباعدها. غاية ما في الأمر أنّ الرجل طلب أمراً لم يُهيّأ له ، ولم يعدّ له عدّته ، فحيل بينه وبين ما يشتهي وقُتل دونه ، وقبل ذلك قُتل أبوه ، فلم يجد من أقلام الكاتبين ومن يبشّع أمر قتله ويزيد به نار العداوة تأجيجاً ، وقد ذهب الجميع إلى ربِّهم يحاسبهم على ما فعلوا ، والتاريخ يأخذ من ذلك عبرةً وهي : أنَّه لا ينبغي لمن يريد عظائم الأمور أن يسير إليها بغير عدّتها الطبيعيّة ، فلا يرفع سيفه إلاّ إذا كان معه من القوّة ما يكفل النجاح أو يقرب من ذلك ، كما أنَّه لا بدّ أن تكون هناك أسباب حقيقيّة لمصلحة الأمّة ، بأن يكون جور ظاهر لا يحتمل ، وعسف شديد ينوء الناس بحمله ، أمّا الحسين فإنّه خالف يزيد وقد بايعه الناس ، ولم يظهر منه ذلك الجور ولا العسف عند إظهار هذا الخلاف (٢ / ١٢٩ ـ ١٣٠). وقبل هذه الجمل يبرِّئ ساحة يزيد عن الظلم والجور ، ويراه قرّب عليَّ بن الحسين إليه وأكرمه ونعّمه.
الجواب : ليت الرجل كتب ما كتب بعد الحيطة بشؤون الخلافة الإسلاميّة وشروطها ، وما يجب أن يكتنفه الخليفة من حنكة لتدبير الشؤون ، وملكة لتهذيب النفوس ، ونزاهة عن الرذائل ليكون قدوة للأمّة ، ولا ينقض ما يدعو إليه ببوائقه ، إلى أمثالها من غرائز يجب أن يكون حامل ذلك العبء الثقيل متحلّياً بها ، لكنّه كتب وهو يجهل ذلك كلّه ، وكتبه على حين أنَّه لم يحمل إلاّ نفساً ضئيلة تقتنع بما يحسبه دعةً تحت نير الاضطهاد ، وعلى حين أنّ ضعف الرأي ودقّة الخطر يحبِّذان له راحةً مزعومةً في