فمشى معه إليه وأمره بردِّها ثلاث مرّات وهو يتلكّأ ، فقال : أما والله لئن فعلت ، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «أوّل من يبدِّل سنّتي لَرجل من بني أميّة» ثمّ ولّى ، فتبعه يزيد فقال : أُذكرك بالله أنا هو؟ فقال : لا أدري ، وردّها يزيد.
قال ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق (١) (ص ١٤٥) : لا ينافي هذا الحديث المذكور المصرِّح بيزيد ، إمّا لأنّه بفرض كلام أبي ذرّ على حقيقته لكون أبي ذرّ لم يعلم بذلك المبهم ، فقوله : لا أدري أي في علمي وقد بيّن إبهامه في الرواية الأولى ، والمفسِّر يقضي على المبهم. وإمّا لأنَّ أبا ذرّ علم أنَّه يزيد ولكنّه لم يصرِّح له بذلك خشية الفتنة ، لا سيّما وأبو ذرّ كان بينه وبين بني أميّة أمور تحملهم على أنَّهم ينسبونه إلى التحامل عليهم.
وأمّا رأيه في حصر الخلافة بأسرة فإنّا لا نناقشه إلاّ من عدم جدارة الأُسرة التي يجنح إليها الخضري للخلافة. نعم ؛ لا بأس به إذا حُصرت بأسرةٍ كريمةٍ تتحلّى باللياقة والحذق من الناحية الدينيّة والسياسيّة ، ونحن لا نقول بلزوم الحصر المذكور مع عدم اللياقة ، فإنَّه غير وافٍ لقمِّ جذور الفساد ، وقمع جذوم الاختلاف ، فالأمّة متى وجدت من خليفتها الحيف والجنف تثور عليه وتخلعه ، وبطبع الحال يطمع في الخلافة عندئذٍ من هو أزكى منه نفساً ، وأطيب أرومةً ، وأكرم خلقاً ، وحتى من يساويه في الغرائز ، فأيّ مفسدةٍ اكتسحها حصر الخلافة والحالة هذه؟
جَيْر (٢) ؛ إذا حصرت بمن ذكرناه وشاهدت الأمّة منهم التأهّل ، فإنَّ فيه منقطع أطماع الخارجين عن الأسرة من ناحية خروجهم عن البيت المعيَّن لها ، ودحض معاذير الثوّار والمشاغبين من ناحية عدم وجود أحداث توجب الثورة والخروج ، وعندئذٍ يتأكّد خضوع الأمّة لخليفة شأنه ما ذكرناه ، فتعظم شوكته ، وتتّسق أموره ،
__________________
(١) تطهير الجنان : ص ٦٤.
(٢) حرف جواب بمعنى نعم.