فجوات أعمالهم من نواياهم السيِّئة على الدين والمسلمين ، وقد علمنا من ذلك أنَّهم لم يقلعهم عن دينهم الوثنيِّ الأوّل إلاّ خشية السيف والطمع في الزعامة ، فأقلّ شيءٍ يُنتظر منهم على ذلك عدم اهتمامهم بنشر معالم الدين ، إن لم ترد الأمّة عن سيرها الدينيِ القهقرى ، فتبقى مرتطمة بين هذه وبين تهالكها في الفجور وسيِّئ الخلق ، فتعود دولة قيصريّة ومملكة جاهليّة.
ثمَّ إنَّ نفس الخليفة إذا شاهد من استحوذ عليهم من الأمم على هذه الأحوال ، وعلم أنَّه قد ملك الرقاب ولا منكر عليه من بينهم ، على مآثم يرتكبها أو سيِّئات يجترحها ، فإنّه بالطبع يتوغّل في غلوائه ، ويزداد في انهماكه ، ويشتدُّ في التفرعن والاستعباد.
فأيّ خطرٍ أيّها الخضري أعظم على المجتمع الدينيِّ من هذه الأحوال؟ وأيّ مصلحة أعظم من اكتساح هذه المعرّة تدفع كلّ دينيّ غيور إلى النهوض في وجه هذه السلطة القاسية؟ وأيّ عسف شديد ينوء الناس بحمله ، أو جور ظاهر لا يحتمل أشدّ ممّا ذكرنا ، الذي يترك كلّ متديِّن أن يرى من واجبه الإنكار عليه ، والنهضة تجاهه ولو بمفرده؟ وإن عَلِم أنَّه مقتول لا محالة ، فإنّه وإن يُقتل في يومه لكن حياته الأبديّة في سبيل الدين والشريعة لا تزال مضعضعة لأركان الدولةالظالمة ، وهو فيها يتلو على الملأ صحيفة صاحبها السوداء ، وأنَّه كان مغتصباً ذلك العرش المقدّس ، وأنّه إنَّما وأد هذا الإنسان دون إنكاره على جرائمه ، ويتّخذ الملأ الواقف على حديثه درساً راقياً من التضحية والمفاداة للمبدإ الصحيح ، فيقتصّون أثره ، ويحصل هناك قوم يرقّون لهذا المضحّي فينهضون لثاراته ، وفي الأمّة بقيّة ساخطة لمآثم المتغلّب وفتكه بالمنكر عليه ، فتلتقي الروحان : الثائرة والساخطة ، فتنهك هذه قوى الدولة الغاشمة ، وتتثبّط الأخرى عن مناصرتها ، فيكون هناك بوار الظلم وظهور الصالح العام.
وهكذا أثّرت نهضة الحسين المقدّسة حتى أجهزت على دولة الأمويِّين أيّام