والقارئ جِدُّ عليم بأنّ الأمير شكيب أرسلان قد غلط أيضاً في فهم ما صدَّر الشيعيُّ الفاضل به كتابه من جملة ـ هو العليُّ الغالب ـ واتّخاذه دليلاً على الغلوِّ في التشيّع ، فإنّها كلمةٌ مطّردة تُكتب وتُقال كقولهم : هو الواحدُ الأحد ـ وما يجري مجراه ـ تُقصد بها أسماء الله الحسنى ، وهي كالبسملة في التيمّن بافتتاح القول بها.
وأنت لا تجد في الشيعة من يبغض العروبة ، وهو يعتنق ديناً عربيّا صدع به عربيّ صميم ، وجاء بكتاب عربيٍّ مبينٍ وفي طيِّه : (ءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) (١) وقد خلفه على أمر الدين والأمّة سادات العرب ، ولا يستنبط أحكام الدين إلاّ بالمأثورات العربيّة عن أولئك الأئمّة الطاهرين ـ صلوات الله عليهم ـ المنتهية علومهم إلى مؤسِّس الدعوة الإسلاميّة صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وهو يدعو الله في آناء الليل وأطراف النهار بالأدعية المأثورة عنهم بلغة الضاد ، ويطبع وينشر آلافاً من الكتب العربيّة في فنونها ؛ فالشيعيُّ عربيٌّ في دينه ، عربيٌّ في هواه ، عربيٌّ في مذهبه ؛ عربيٌّ في نزعته ، عربيٌّ في ولائه ، عربيٌّ في خلائقه ، عربيٌّ عربيٌّ عربيٌّ ....
نعم ؛ يبغض الشيعيّ زعانفةً بخسوا حقوق الله ، وضعضعوا أركان النبوّة ، وظلموا أئمّة الدين ، واضطهدوا العترة الطاهرة ؛ وخانوا العروبة ـ عرباً كانوا أو أعاجم ـ وهذه العقيدة شرعٌ سواءٌ فيها الشيعيُّ العربيُّ والعجميُّ.
ولكن شاء الهوى ، ودفعت الضغائن أصحابه إلى تلقين الأمّة بأنَّ التشيّع نزعة فارسيّة ، والشيعيُّ الفارسيُّ يمقت العرب ، شقّا للعصا وتفريقاً للكلم وتمزيقاً لجمع الأمّة ، وأنا أرى أنَّ القصيميّ والأمير قبله في كلمات أخرى يريدان ذلك كلِّه ، و (ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ) (٢).
٣ ـ قال : إنَّ الشيعة في إيران نصبوا أقواس النصر ، ورفعوا أعلام السرور
__________________
(١) فصّلت : ٤٤.
(٢) غافر : ٢٩.