استثقالاً. فقال : كذبوا ولكن خلّفتك لما ورائي». الحديث (١). وممّا صحَّ عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم حين أراد أن يغزو أنّه قال : «ولا بدَّ من أن أقيم أو تقيم». فخلّفه (٢).
إذا عرفت ذلك كلّه فلا يذهب عليك أنَ قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي». ليس له مغزى إلاّ خصوص هذه الواقعة ، وليس في لفظه عموم يستوعب كلّ ما غاب صلىاللهعليهوآلهوسلم عن المدينة ، فمن الباطل نقض الرجل باستخلاف غيره على المدينة في غير هذه الواقعة ، حيث لم تكن فيه ما أوعزنا إليه من الإرجاف ، وكانت حاجة الحرب أمسّ إلى وجود أمير المؤمنين عليهالسلام حيث لم يكن غيره كمثله يكسر صولة الأبطال ، ويغير في وجوه الكتائب. فكان صلىاللهعليهوآلهوسلم في أخذ أمير المؤمنين معه إلى الحروب واستخلافه في مغيبه يتبع أقوى المصلحتين.
ثمّ إنّ الرجل حاول تصغيراً لصورة هذه الخلافة ، فقال : وعام تبوك ما كان الاستخلاف ... إلخ. غير أنَّ نظّارة التنقيب لا تزال مكبِّرة لها من شتّى النواحي :
الأولى : قوله : «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟». وهو يعطي إثبات كلِّ ما للنبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم من رتبة ، وعمل ، ومقام ، ونهضة ، وحكم ، وإمارة ، وسيادة لأمير المؤمنين عدا ما أخرجه الاستثناء من النبوّة ، كما كان هارون من موسى كذلك. فهو خلافة عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإنزال لعليٍّ عليهالسلام منزلة نفسه لا محض استعمال كما يظنّه الظانّون ، فقد استعمل صلىاللهعليهوآلهوسلم قبل هذه على البلاد أناساً ، وعلى المدينة آخرين ، وأمّر على السرايا رجالاً لم يقل في أحد منهم ما قاله في هذا الموقف ، فهي منقبةٌ تخصّ أمير المؤمنين فحسب.
__________________
(١) الرياض النضرة : ٢ / ١٦٢ [٣ / ١٠٥] ، الإمتاع للمقريزي : ص ٤٤٩ ، عيون الأثر : ٢ / ٢١٧ [٢ / ٢٥٤] ، السيرة الحلبية : ٣ / ١٤٨ [٣ / ١٣٢] ، شرح المواهب للزرقاني : ٣ / ٦٩ ، سيرة زيني دحلان : ٢ / ٣٣٨ [٢ / ١٢٦]. (المؤلف)
(٢) أخرجه الطبراني [في المعجم الكبير : ٥ / ٢٠٣ ح ٥٠٩٤] بطريق صحيح ، كما في مجمع الزوائد : ٩ / ١١١. (المؤلف)