ويحسبها من الأكاذيب ، منها : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لا ينبغي أن أذهب إلاّ وأنت خليفتي». فارتآه كذباً ، مستدلاّ بأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ذهب غير مرّة وخليفته على المدينة غير عليّ.
ومن استشفَّ الحقيقة من هذا الموقف علم أنّها قضيّة شخصيّة لا تعدو قصّة تبوك ، لِما كان صلىاللهعليهوآلهوسلم يعلمه من عدم وقوع الحرب فيها ، وكانت حاجة المدينة إلى خلافة مثل أمير المؤمنين عليها مسيسة ، لِما تداخل القوم من عظمة ملك الروم ـ هرقل ـ وتقدّم جحفله الجرّار ، وكانوا يحسبون أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وحشده الملتفَّ به لا قِبل لهم به ، ومن هنا تخلّف المتخلّفون من المنافقين ، فكان أقرب الحالات في المدينة بعد غَيبة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يرجف بها المنافقون للفتِّ في عضد صاحب الرسالة ، والتزلّف إلى عامل بلاد الروم الزاحف ، فكان من واجب الحالة عندئذٍ أن يخلف عليها أمير المؤمنين عليهالسلام المهيب في أعين القوم ، والعظيم في النفوس الجامحة ، وقد عرفوه بالبأس الشديد ، والبطش الصارم ، اتّقاء بادرة ذلك الشرِّ المترقَّب. وإلاّ فأمير المؤمنين عليهالسلام لم يتخلّف عن مشهدٍ حضره رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلاّ تبوك (١) ، وعلى هذا اتّفق علماء السير كما قال سبط ابن الجوزي في التذكرة (٢) (ص ١٢).
وفي وسع الباحث أن يستنتج ما بينّاه من قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ : «كذبوا ولكن خلّفتك لما ورائي». فيما أخرجه ابن إسحاق ، بإسناده عن سعد بن أبي وقّاص قال :
لمّا نزل رسول الله الجرف طعن رجال من المنافقين في إمرة عليٍّ ، وقالوا : إنّما خلّفه استثقالاً ، فخرج عليٌّ فحمل سلاحه حتى أتى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بالجرف ، فقال : «يا رسول الله ما تخلّفت عنك في غزاة قطُّ قبل هذه ، قد زعم المنافقون أنَّك خلّفتني
__________________
(١) الاستيعاب : هامش الإصابة : ٣ / ٣٤ [الاستيعاب : القسم الثالث / ١٠٩٧ رقم ١٨٥٥] ، شرح التقريب : ١ / ٨٥ ، الرياض النضرة : ٢ / ١٦٣ [٣ / ١٠٥] ، الصواعق : ص ٧٢ [ص ١٢٠] ، الإصابة : ٢ / ٥٠٧ [رقم ٥٦٨٨] ، السيرة الحلبية : ٣ / ١٤٨ [٣ / ١٣٣] ، الإسعاف : ص ١٤٩. (المؤلف)
(٢) تذكرة الخواص : ص ١٩.