الثانية : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما مرّ عن سعد بن أبي وقّاص : «كذبوا ولكن خلّفتك لِما ورائي». لمّا طعن رجال من المنافقين في إمرة عليٍّ عليهالسلام ، ولا يوعز صلىاللهعليهوآلهوسلم به إلاّ إلى ما أشرنا إليه من خشية الإرجاف بالمدينة عند مغيبه ، وأنَّ إبقاءه كان لإبقاء بيضة الدين عن أن تنتهك ، وحذارَ أن يتّسع خرقها بهملجة المنافقين ، لو لا هناك من يطأ فورتهم بأخمص بأسه وحجاه ، فكان قد خلّفه لمهمّة لا ينوء بها غيره.
الثالثة : قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعليّ عليهالسلام في حديث البراء بن عازب وزيد بن أرقم ، قالا : قال حين أراد صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يغزو : «إنّه لا بدَّ من أن أقيم أو تقيم» فخلّفه (١). وهو يدلّ على أنَّ بقاء أمير المؤمنين عليهالسلام على حدٍّ بقاء رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في كلاءة بيضة الدين وإرحاض معرّة المفسدين ، فهو أمر واحد يقام بكلّ منهما على حدٍّ سواء ، وناهيك به من منزلة ومقام.
الرابعة : ما صحَّ عن سعد بن أبي وقّاص من قوله : والله لَأن يكون لي واحدة من خلاله الثلاث أحبُّ إليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، لَأن يكون قال لي ما قال له حين ردّه من تبوك : «أما ترضى أن تكون منّي بم نزلة هارون من موسى؟ إلاّ أنَّه لا نبيَّ بعدي». أحبّ إليَّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس (٢).
وقال المسعودي في المروج (٢ / ٦١) بعد ذكر الحديث : ووجدت في وجه آخر من الروايات ، وذلك في كتاب عليِّ بن محمد بن سليمان النوفلي في الأخبار عن ابن عائشة وغيره : أنَّ سعداً لمّا قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضرط له معاوية!! وقال له : اقعد حتى تسمع جواب ما قلت ، ما كنتَ عندي قطُّ ألأم منك الآن ، فهلاّ
__________________
(١) أخرجه الطبراني [في المعجم الكبير : ٥ / ٢٠٣ ح ٥٠٩٤] بإسنادين : أحدهما رجاله رجال الصحيح إلاّ ميمون البصري ، وهو ثقة ، وثّقه ابن حبّان [في الثقات : ٥ / ٤١٨] كما في مجمع الزوائد : ٩ / ١١١ ، راجع ما مرّ في الجزء الأوّل : ص ٧١. (المؤلف)
(٢) خصائص النسائي : ص ٣٢ [خصائص أمير المؤمنين : ص ٣٧ ح ١١ ، وفي السنن الكبرى : ٥ / ١٠٧ ح ٨٣٩٩] ، مروج الذهب : ٢ / ٦١ [٣ / ٢٤]. (المؤلف)