نصرته؟ ولِمَ قعدتَ عن بيعته؟ فإنّي لو سمعت من النبيِّ صلى الله عليه وسلم مثل الذي سمعت فيه ، لكنت خادماً لعليٍّ ما عشت! فقال سعد : والله إنّي لأحقّ بموضعك منك. فقال معاوية : يأبى عليك [ذلك] (١) بنو عذرة ، وكان سعد فيما يقال لرجل من بني عذرة.
وصحَّ عند الحفّاظ الأثبات أنَّ معاوية أمر سعداً فقال : ما منعك أن تسبَّ أبا تراب؟ قال : أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلن أسبّه ، لَأن تكون لي واحدة منهنَّ أحبُّ إليَّ من حمر النعم ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعليّ وخلفه في تبوك ، فقال له عليٌّ : «يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟ إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي» (٢).
وورد في حديث أنَّ سعداً دخل على معاوية فقال له : مالك لم تقاتل معنا؟ فقال : إنّي مرّت بي ريح مظلمة فقلت : أخ أخ. فأنخت راحلتي حتى انجلت عنّي ، ثمَّ عرفت الطريق فسرت. فقال معاوية : ليس في كتاب الله أخ أخ ، ولكن قال الله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) (٣). فو الله ما كنت مع الباغية على العادلة ، ولا مع العادلة على الباغية. فقال سعد : ما كنت لأقاتل رجلاً قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير أنَّه لا نبيَّ بعدي».
فقال معاوية : من سمع هذا معك؟ فقال : فلان وفلان وأمّ سلمة. فقال معاوية :
__________________
(١) الزيادة من المصدر.
(٢) جامع الترمذي : ٢ / ٢١٣ [٥ / ٥٩٦ ح ٣٧٢٤] ، مستدرك الحاكم : ٣ / ١٠٨ [٣ / ١١٧ ح ٤٥٧٥] وصحّحه وأقرّه الذهبي ، وأخرجه باللفظ المذكور مسلم في صحيحه [٥ / ٢٣ ح ٣٢ كتاب فضائل الصحابة] ، ونقله عنه الحافظ الكنجي في الكفاية : ص ٢٨ [ص ٨٥ باب ١٠] ، والبَدَخشاني في نُزُل الأبرار : ص ١٥ [ص ٤٧] عن مسلم والترمذي ، وذكره بهذا اللفظ ابن حجر في الإصابة : ٢ / ٥٠٩ [رقم ٥٦٨٨] عن الترمذي ، والميرزا مخدوم الجرجاني ، في الفصل الثاني من ـ نواقض الروافض ـ نقلاً عن مسلم والترمذي. (المؤلف)
(٣) الحجرات : ٩.