أما إنّي لو سمعته منه صلى الله عليه وسلم لما قاتلت عليّا. تاريخ ابن كثير (١) (٨ / ٧٧)
فإنَّ هذا الذي كان يستعظمه سعدٌ في عداد حديث الراية والتزويج بالصدّيقة الطاهرة بوحي من الله العزيز اللذين هما من أربى الفضائل ، ويراه معاوية : لو كان سمعه فيه لما قاتل عليّا ، ولكان يخدم عليّا ما عاش ، لا بدَّ وأن يكون على حدِّ ما وصفناه حتى يتسنّى لسعد تفضيله على ما طلعت عليه الشمس ، أو حُمر النعم ، ولمعاوية إيجاب الخدمة له ، دون الاستخلاف على العائلة لينهض بشؤون حياتها كما هو شأن الخدم ، أو يُنصب عيناً على المنافقين فحسب ليتجسّس أخبارهم ، كما هو وظيفة الطبقة الواطئة من مستخدمي الحكومات.
الخامسة : قول سعيد بن المسيّب ، بعد ما سمع الحديث عن إبراهيم أو عامر ابني سعد بن أبي وقّاص : فلم أرض فأحببت أن أشافه بذلك سعداً ، فأتيته فقلت : ما حديث حدّثني به ابنك عامر؟ فأدخل إصبعيه في أذنيه وقال : سمعت من رسول الله وإلاّ فاستكّتا (٢). فما ذا كان سعيد يستعظمه من الحديث حتى طفق يستحفي خبره من نفس سعد بعد ما سمعه من ابنه ، فأكّد له سعد ذلك التأكيد ، غير أنَّه فهم من مؤدّاه ما ذكرناه من العظمة؟
السادسة : قول الإمام أبي بسطام شعبة بن الحجّاج في الحديث : كان هارون أفضل أمّة موسى عليهالسلام فوجب أن يكون عليٌّ عليهالسلام أفضل من كلِّ أمّة محمد صلى الله عليه وسلم صيانةً لهذا النصّ الصحيح الصريح ، كما قال موسى لأخيه هارون : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ) (٣) (٤).
__________________
(١) البداية والنهاية : ٨ / ٨٣ حوادث سنة ٥٥ ه.
(٢) أخرجه النسائي في الخصائص بعدّة طرق : ص ١٥ [خصائص أمير المؤمنين : ص ٧٠ ـ ٧٢ ح ٤٩ ـ ٥١ ، وفي السنن الكبرى : ٥ / ١٢١ ـ ١٢٢ ح ٨٤٣٤ ـ ٨٤٣٦]. (المؤلف)
(٣) الأعراف : ١٤٢.
(٤) أخرجه الحافظ الكنجي في الكفاية : ص ١٥٠ [ص ٢٨٣ باب ٧٠]. (المؤلف)