الحسين : قد أحببت أن أرى ابن روميّك هذا. فدخل يوماً عبيد الله إلى أبي الحسين وابن الرومي عنده ، فاستنشده من شعره فأنشده وخاطبه ، فرآه مضطرب العقل جاهلاً. فقال لأبي الحسين بينه وبينه : إنّ لسان هذا أطول من عقله ، ومن هذه صورته لا تؤمن عقاربه عند أوّل عتب ، ولا يفكّر في عاقبته ، فأخرجه عنك. فقال : أخاف حينئذٍ أن يعلن ما يكتمه في دولتنا ، ويذيعه في تمكّننا. فقال : يا بنيّ إنّي لم أُرد بإخراجك له طرده. فاستعمل فيه بيت أبي حيّة النميري :
فقلن لها سرّا فَديناكِ لا يَرُحْ |
|
سليماً وإلاّ تقتليه فأَلممي |
فحدّث القاسمُ ابنَ فراس بما جرى وكان أعدى الناس لابن الرومي وقد هجاه بأهاجٍ قبيحة ، فقال له : الوزير أعزّه الله أشار بأن يغتال حتى يستراح منه ، وأنا أكفيك ذلك. فسمّه في الخشكنانج فمات. قال الباقطاني : والناس يقولون : ما قتله ابن فراس وإنّما قتله عبيد الله.
ثمّ ضعّف (١) الرواية الأولى بأنّ عبيد الله بن سليمان مات سنة (٢٨٨) بعد وفاة ابن الرومي فلا معنى لقول القاسم له : سلّم على والدي ، ووالده بقيد الحياة.
واستشكل في الرواية الثانية : بأنّ عبيد الله كانت له سوابق معرفة مع ابن الرومي ، فلا يتمُّ ما فيها من طلبه رؤيته.
وأنت ترى أنّ التضعيف الثاني ليس في محلّه ، إذ الرؤية المطلوبة لعبيد الله كما يظهر من نفس الرواية رؤية اختبار لا مجرّد رؤية حتى تنافي التعارف والاجتماع قبلها ، فيحتمل عندئذٍ أنّ عبيد الله هو القائل : سلّم على والدي لا ابنه ، والله العالم.
__________________
(١) أي العقّاد في كتابه المذكور.