من تأليف عبد القاهر الجرجاني قيل : إنّها لا تبلغ أن تكون في عشر أوراق ، وقيل : إنّه لا يملك من كتب النحو واللغة ما مقداره عشر أوراق ، وهو مع هذا يردّ بقحته على الخليل وسيبويه ، إنها لوصمة اتّسم بها زماننا هذا ، لا يبيد عارها ولا ينقضي شنارها ، وإنما طلب بتلفيق هذه الأهواس أن تسطر فتوى ، فيثبت خطه فيها مع خط غيره ، فيقال : أجاب أبو نزار بكذا وأجاب غيره بكذا ، فقد أدرك لعمر الله مطلوبه ، وبلغ مقصوده ، ولو لا إيجاب حق من أوجبت حقه والتزمت وفاقه واحترمت خطابه لصنت خطي ولفظي عن مجاورة خطه ولفظه.
قال ابن الشجري في المجلس الحادي والستين في (أماليه) (١) :
ذكر أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني صاحب كتاب (الأغاني) حديثا رفعه إلى أبي ظبيان الحماني قال : اجتمعت جماعة من الحي على شراب فتغنّى أحدهم بقول حسان : [الكامل]
٤٢٦ ـ إنّ الّتي ناولتني فرددتها |
|
قتلت قتلت فهاتها لم تقتل |
كلتاهما حلب العصير فعاطني |
|
بزجاجة أرخاهما للمفصل |
فقال رجل منهم : كيف ذكر واحدة بقوله : إنّ التي ناولتني فرددتها ، ثم قال : كلتاهما حلب العصير ، فجعلها اثنتين؟ قال أبو ظبيان : فلم يقل أحد من الجماعة جوابا ، فحلف رجل منهم بالطلاق ثلاثا إن بات ولم يسأل القاضي عبيد الله بن الحسين عن تفسير هذا الشعر ، قال : فسقط في أيدينا ليمينه ، ثم أجمعنا على قصد عبيد الله ، فحدثني بعض أصحابنا السعديين قال : فيمّمناه نتخطّى إليه الأحياء فصادفناه في مسجده يصلي بين العشاءين ، فلمّا سمع حسّنا أوجز في صلاته ، ثم أقبل علينا فقال : ما حاجتكم؟ فبدر رجل منا فقال : نحن ـ أعزّ الله القاضي ـ قوم نزعنا إليك من طريق البصرة في حاجة مهمة فيها بعض الشيء ، فإن أذنت لنا قلنا ، فقال : قولوا ، فذكر يمين الرجل والشعر ، فقال : أما قوله : إن التيّ التي ناولتني فإنه يعني الخمر ، وقوله : قتلت أراد : مزجت بالماء ، وقوله : كلتاهما حلب العصير يعني الخمر ومزاجها ، فالخمر عصير العنب ، والماء عصير السحاب ، قال الله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً) [النبأ : ١٤] ، انصرفوا إذا شئتم.
__________________
(١) انظر أمالي ابن الشجري (٢ / ١٥٩).
٤٢٦ ـ الشاهد هو البيت الأول وهو لحسان في ديوانه (ص ١٢٤) ، واللسان (قتل) ، وأساس البلاغة (قتل) ، وتاج العروس (قتل) ، وبلا نسبة في جمهرة اللغة (ص ٤٠٧) ، ومقاييس اللغة (٥ / ٧٥) ، والمخصّص (١١ / ٨٨).