فلو عرف القوم بعض هذه الاستشهادات لما وقعوا في ذلك.
وقال العلامة جمال الدين بن مالك : فعيل وفعول مشتبهان في الوزن والدّلالة على المبالغة والوقوع بمعنى فاعل وبمعنى مفعول ، إلّا أنّ فعيلا أخفّ من فعول ، فلذلك فاقه بأشياء منها :
كثرة الاستغناء به عن فاعل في المضاعف ، كجليل وخفيف وصحيح وعزيز وذليل ، وإنّما حقّ هذه الصفات أن تكون على زنة فاعل لأنّها من فعل يفعل ، فاستغني فيها بفعيل ولا حظّ لفعول في ذلك.
ومنها اطّراد بنائه من فعل كشريف وظريف وكريم ، وليس لفعول فعل يطّرد بناؤه منه. ومنها كثرة مجيئه في صفات الله تعالى وأسمائه ، كسميع وبصير وعليّ وغنيّ ورقيب ، ولم يجئ منها فعول إلّا رؤوف وودود وعفوّ وغفور وشكور ، وإذا ثبت أنه فائق لفعول في الاستعمال فلا يليق أن يكون له تبعا ، بل الأولى أن يكون الأمر بالعكس ، أو ينفرد كلّ منهما بحكم هو به أولى ، وهذا هو الواقع ، فإنّهم خصّوا فعولا المفهم معنى فاعل بأن لا تلحقه التاء الفارقة بين المذكر والمؤنّث وأن يشتركا فيه ، فيقال : رجل صبور وامرأة صبور ، وكذا شكور ونحوهما إلّا ما شذّ من عدوّ وعدوّة ، فإن قصد بالتاء المبالغة لحقت المذكر والمؤنث ، فقيل : رجل ملولة وفروقة ، وامرأة ملولة وفروقة ، ولا يقدم على هذا الوزن إلا بنقل ، وإن لم يقصد بهذا الوزن معنى فاعل لحقته التاء أيضا ، كحلوبة وركوبة ورغوثة ، وليس في شيء من هذا إلّا للنقل ، فلمّا كان لفعيل على فعول من المزية ما ذرته استحقّ أن يخصّ بأحوط الاستعمالين ، وهو التمييز بين المذكر والمؤنث ، كجميل وجميلة وصبيح وصبيحة ووضيء ووضيئة ونحوه ، وإن كان فعيل بمعنى مفعول وصحب الموصوف استوى فيه المذكر والمؤنث ، كرجل قتيل وامرأة قتيل ، وإن لم يصحب الموصوف وقصد تأنيثه أنث نحو : رأيت قتيلة بني فلان ، هذا هو المعروف ، وما ورد بخلاف ذلك عدّ نادرا ، أو تلطّف في توجيهه بما يلحقه بالنظائر ويبعده عن الشذوذ ، فمن ذلك قوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ،) ومنه ستة أقوال :
أحدها : أنّ فعيلا وإن كان بمعنى فاعل فقد جرى مجرى فعيل الذي بمعنى مفعول في عدم لحاق التاء ، كما جرى هو مجراه في لحاق التاء حين قالوا : خصلة حميدة وفعلة ذميمة بمعنى محمودة ومذمومة ، فحمل على جميلة وقبيحة في لحاق التاء ، وكذلك قريب في الآية الكريمة حمل على «عين كحيل» و «كف خضيب» وأشباههما في الخلو من التاء ، ونظير ذلك : (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) [يس : ٧٨].