الثاني : أنّه من باب تأوّل المؤنث بمذكر موافق في المعنى ، كقول الشاعر : [الطويل]
٤٤٧ ـ أرى رجلا منهم أسيفا كأنّما |
|
يضمّ إلى كشحيه كفّا مخضّبا |
فتأوّل كفّا وهو مؤنث بعضو فذكر صفته لذلك ، وكذلك الرحمة متأولة بالإحسان فذكر خبرها ، وتأوّلها بالإحسان أولى من تأوّل الكفّ بالعضو لوجهين :
أحدهما : أنّ الرحمة معنى قائم بالراحم ، والإحسان برّ الراحم المرحوم ومعنى البرّ في القريب أظهر منه في الرحمة.
الثاني : أنّ ملاحظة الإحسان في الرحمة الموصوفة بالقرب من المحسنين مقابلة للإحسان الذي تضمّنه ذكر المحسنين فاعتبارها يزيد المعنى قوة ، فصحّت الأولويّة ، ومن تأوّل المؤنث بمذكر ما أنشده الفراء : [المتقارب]
٤٤٨ ـ وقائع في مضر تسعة |
|
وفي وائل كانت العاشره |
فتأوّل الوقائع بأيام الحرب ، فلذلك ذكر العدد الجاري عليها فقال : تسعة ، وإذا جاز تأوّل المذكر بمؤنث في قول من قال : «جاءته كتابي فاحتقرها» أي : صحيفتي ، وفي قول الشاعر (٣) : [البسيط]
يا أيّها الرّاكب المزجي مطيّته |
|
سائل بني أسد ما هذه الصّوت |
أي : الصيحة مع ما في ذلك من حمل أصل على فرع ، فلأن يجوز تأوّل مؤنث بمذكر لكونه حمل فرع على أصل أحقّ وأولى.
الثالث : أن يكون من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه مع الالتفات إلى المحذوف فكأنه قال : إن مكان رحمة الله قريب ، كما قال حسان : [الكامل]
٤٤٩ ـ يسقون من ورد البريص عليهم |
|
بردى يصفّق بالرّحيق السّلسل |
__________________
٤٤٧ ـ الشاهد للأعشى في ديوانه (ص ١٦٥) ، وجمهرة اللغة (ص ٢٩١) ، وشرح شواهد الإيضاح (ص ٤٥٨) ، ولسان العرب (خضب) و (أسف) و (كفف) ، و (بكى) ، وبلا نسبة في الإنصاف (ص ٧٧٦) ، وخزانة الأدب (٧ / ٥) ، ومجالس ثعلب (ص ٤٧).
٤٤٨ ـ الشاهد بلا نسبة في الإنصاف (٢ / ٧٦٩) ، والدرر (٦ / ١٩٦) ، وشرح عمدة الحافظ (ص ٥٢٠) ، ولسان العرب (يوم) ، ومجالس ثعلب (٢ / ٤٩٠) ، وهمع الهوامع (٢ / ١٤٩).
(١) مرّ الشاهد رقم (١٢٩).
٤٤٩ ـ الشاهد لحسان بن ثابت في ديوانه (ص ١٢٢) ، وجمهرة اللغة (ص ٣١٢) ، وخزانة الأدب (٤ / ٣٨١) ، والدرر (٥ / ٣٨) ، وشرح المفصل (٣ / ٢٥) ، ولسان العرب (برد) و (برص) و (صفق) ، ومعجم ما استعجم (ص ٢٤٠) ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب (١ / ٤٥١) ، وشرح الأشموني (٢ / ٣٢٤) ، وشرح المفصّل (٦ / ١٣٣) ، وهمع الهوامع (٢ / ٥١).