السادس : أن يكون من باب الاستغناء بأحد المذكورين لكون الآخر تبعا له أو معنى من معانيه ، ومنه في أحد الوجوه قوله تعالى : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء : ٤] أي : فظلت أعناقهم خاضعة ، وظلّوا لها خاضعين ، فهذا منتهى ما حضرني.
وبلغني أنّ بعض الفقهاء زعم أنّ إخلاء (قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) المشار إليه من التاء لم يكن إلّا لأجل أنّ فعيلا يجري مجرى فعول في الوقوع على المذكر والمؤنث بلفظ واحد ، وضعف هذا القول بيّن وتزييفه هيّن ، وذلك أنّ قائل هذا القول إمّا أن يريد أنّ فعيلا في هذا الموضع وغيره يستحقّ ما يستحقّه فعول من الجري على المذكر والمؤنث بلفظ واحد ، وإمّا أن يريد أنّ فعيلا في هذا الموضع خاصة محمول على فعول.
فالأول : مردود لإجماع أهل العربية على التزام التاء في ظريفة وشريفة وأشباههما ، ولذلك احتاج علماؤهم إلى أن يقولوا في قوله تعالى : (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) [مريم : ٢٠] : إن أصله بغوي على فعول ، فلذلك لم تلحقه التاء.
والثاني : أيضا مردود لأنه قد تقدّم التنبيه على ما لفعيل على فعول من المزايا ، ولأنه لا يليق أن تبعا لفعول ، بل الأولى أن يكون أمرهما بالعكس ، ولأنّ ذلك القائل حمل فعيلا على فعول ، وهما مختلفان لفظا ومعنى ، أمّا اللفظ فظاهر ، وأمّا المعنى فلأنّ قريبا لا مبالغة فيه لأنه يوصف به كلّ ذي قرب وإن قلّ ، وفعول المشار إليه لا بدّ فيه من مبالغة ، وأيضا فإنّ الدّالّ على المبالغة لا بدّ أن يكون له بنية لا مبالغة فيها ، ثم يقصد به المبالغة فتغيّر بنيته كضارب وضروب وعالم وعليم ، وقريب ليس كذلك فلا مبالغة فيه ، والظاهر أنّ ذلك القائل إنّما أراد حمل فعيل على فعول مطلقا واستدل على ذلك بقول الشاعر : [المتقارب]
٤٥٣ ـ فتور القيام قطيع الكلا |
|
م تفترّ عن ذي غروب خصر |
والاحتجاج بهذا ساقط من وجوه :
أحدها : أنه نادر والنادر لا حكم له ، ولو كثرت صوره وجاء على الأصل كاستحوذ واعورّ واستنوق البعير ، فما ندر ولم تكثر صوره ولا جاء على الأصل أحق.
الثاني : أن يكون قطيع الكلام أصله قطيعة الكلام ثم حذفت التاء للإضافة ، فإنها مسوّغة لحذفها عند الفراء وغيره من العلماء ، وحمل على ذلك قوله تعالى : (وَإِقامَ الصَّلاةِ) [الأنبياء : ٧٣] ومثل ذلك قوله : [البسيط]
__________________
٤٥٣ ـ الشاهد لامرئ القيس في ديوانه (ص ١٥٧).