وأمّا قوله : «رابعا : إنه من باب حذف الموصوف» إلى آخره ، وما ذكر عن سيبويه في طامث وحائض فبالله أحلف إنّ هذا التقدير والتقرير لا يرتضيه فصيح بدويّ ولا بليغ حضري ، وأيّ حاجة إلى أن يضمر في الآية شيء فيقال : شيء قريب؟ ولا يكفي في تقدير مباني كلام الله عز وجل وإيضاح معانيه مجرد الجواز النحوي والاحتمال الإعرابي ، بل لا بدّ من رعاية الفصاحة القصوى والبلاغة العليا ، وأيّة فصاحة في أن يقول القائل : شيء قريب؟ وأيّ لطف في أن يقال : المرأة شيء حائض ، مع أنّ الشيء أعمّ المعلومات؟ ولذلك يشمل الواجب والممكن حتى بعض المعدومات عند بعض أهل العلم ، ومن الذي يرضى لنفسه بمثل هذا الكلام في المستهجن؟ وهلّا قيل : الهاء والتاء إنما يحتاج إليهما للفرقان بين المذكر والمؤنث في صفة يمكن اشتراكهما فيها إماطة للالتباس ، أمّا الصفة المختصّة بالنساء كالحيض فلا حاجة فيها إلى العلامة المميزة ، والناس لفرط جمودهم على ما ألفوه بظنون أنّ ما قاله سيبويه هو الحق الساطع وأنّ إلى قوله المنتهى في معرفة كلام الرب ، ولا خفاء في أنّه الجواد السابق في هذا المضمار فأمّا أن يعتقد أنّه أحاط بجميع كلام العرب وأنّه لا حقّ إلّا ما قاله فليس الأمر كذلك ، فما من أحد إلّا ويقبل قوله ويردّ منه ، ولو لم يكن لسيبويه إلا قوله في باب الصفة المشبهة : «مررت برجل حسن وجهه» بإضافة حسن إلى الوجه وإضافة الوجه إلى الضمير العائد على الرجل ، فقد خالفه جميع البصريين والكوفيين في ذلك ، لأنه قد أضاف الشيء إلى نفسه ، فكيف يعتقد مع هذا صحة قوله في كلّ شيء؟.
وأمّا قوله : خامسا يكتسب المضاف حكم المضاف إليه لا سيّما التأنيث فله نظائر صحيحة فصيحة يوثق بها لتقدّم قائليها وشهرتهم ، قال النابغة : [البسيط]
٤٥٩ ـ حتّى استغثن بأهل الملح ضاحية |
|
يركضن قد قلقت عقد الأطانيب |
وقال الأعشى (٢) : [الطويل]
[وتشرق بالقول الذي قد أذعته] |
|
كما شرقت صدر القناة من الدّم |
وقال لبيد : [الكامل]
٤٦٠ ـ فمضى وقدّمها وكانت عادة |
|
منه إذا هي عرّدت إقدامها |
__________________
٤٥٩ ـ الشاهد لسلامة بن جندل في ملحق ديوانه (ص ٢٣٣) ، ولسان العرب (طنب) ، وتهذيب اللغة (١٣ / ٣٦٨) ، وتاج العروس (طنب) ، وللنابغة الذبياني في ديوانه (ص ٥٠) ، وأساس البلاغة (طنب) ، وجمهرة اللغة (ص ٣٦١).
(١) مرّ الشاهد رقم (١٣٣).
٤٦٠ ـ الشاهد للبيد في ديوانه (ص ٣٠٦) ، والخصائص (٢ / ٤١٥) ، ولسان العرب (عرد) ، و (قدم) ، وكتاب العين (١ / ٣٢) ، وبلا نسبة في الخصائص (١ / ٧٠).