وقال جرير (١) : [الكامل]
لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت |
|
سور المدينة والجبال الخشّع |
فبمثل هذا ينبغي أن يتمسك لا بأشعار المجاهيل الخاملين التي تمسك بها وأظنّها للمحدثين ، فأمّا اكتساب التأنيث من المؤنّث فقد صح بقولهم ، وأمّا عكسه فيحتاج إلى الشواهد ، ومن ادّعى جوازه فعليه البيان.
وأمّا قوله : «سادسا أنه يكون من باب الاستغناء بأحد المذكورين عن الآخر» إلى آخره فإنّ قوله : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء : ٤] ليس من هذا القبيل ، لأنّ المراد بأعناقهم رؤساؤهم ومعظّموهم ، وأيضا فإن الخبر محكوم به على الاسم ، فكيف يعرض عنه ويحكم به على المضاف إليه؟ ولو جاز ذلك لساغ أن تقول : كان صاحب الدّرع سابغة ، فظلّ مالك الدار متسعة.
وقوله : رحمة الله قريب وهو قريب ، وحذف الخبر من الجملة الأولى والمبتدأ من الثانية ، واجتزأ بالخبر في الثانية عن الخبر في الأولى فكلام عجيب تقصر عبارتي عن شرح ضعفه.
وأمّا ما نمي إليّ من جري فعيل مجرى فعول ، وقوله : إمّا أن يدعى ذلك على العموم في جميع الصور إلى آخره فهذا لم أقصده ولا ذكرت الأصالة والتبعية ، ولا أنّ هذا بمعنى فاعل وذاك بمعنى مفعول ، بل لمّا سئلت عن جري قريب على الرحمة أجبت : بأنّه لا غرو ولا استبعاد ، لأنّ أفاضل العرب وفصحاءهم قد أطلقوا الفعيل والفعول على المؤنث الحقيقي ، فعلى غير الحقيقي أولى ، ومن جملتهم امرؤ القيس ، قوله : «الاستدلال به ضعيف» ليس كذلك لأن الفتور على وزن فعول ، وقد أطلق بعض فصحاء العرب في هذا البيت كليهما على امرأة والتأنيث فيهما حقيقي.
وقوله : «إنه نادر» ، قلنا : لا نسلم ، بل نظائره كثيرة ، وهي محفوظة فطالبونا بها نوردها ، ولئن سلمنا أنه نادر فالغرض أنه عربي ، وعلى أنّا نقول : إن ساغ الاستشهاد بالنادر فلا وجه لإنكار ما ذكرنا ولم يسغ فكيف احتجّ بقوله : «وقائع في مضر تسعة»؟.
وقوله : «يجوز أن يراد بالقطيع القطيعة والإضافة تسقط التاء» قلنا : لو جاز ذلك لجاز أن يقال : «ماتت ابن فلان» يريد ابنته ، وقوله : «وقد يجوز أن يكون فعيل بمعنى مفعول في قطيع» إلى آخره ، قلنا : يدعي جواز الإطلاق ، وهو أعمّ من أن
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (١٣٤).