ومنه : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦] ، والثاني كقولهم : خصلة ذميمة ذميمة وصفة حميدة حملا على قولهم : قبيحة وجميلة.
السابع : أنّ العرب قد تخبر عن المضاف إليه وتترك المضاف ، كقوله تعالى : (فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ) [الشعراء : ٤] ف «خاضعين» خبر عن الضمير المضاف إليه الأعناق لا عن الأعناق ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «الأعناق خاضعون» لا يجوز لأنّ جمع المذكر السالم إنّما يكون من صفات العقلاء ، لا تقول : أيد طويلون ولا كلاب نابحون؟ انتهى.
ولعل هذا القول يرجع إلى القول بالزيادة وقد بيّنّا ما عليه ، وقد قيل : إنّ المراد بالأعناق في هذه الآية الكريمة الرؤساء ، وقيل : الجماعة ، وإنه يقال : جاء زيد في عنق من الناس أي في جماعة.
الثامن : الرحمة والرّحم متقاربان لفظا ، وهذا واضح ، ومعنى بدليل النقل عن أئمة اللغة فأعطي أحدهما حكم الآخر ، وهذا القول ليس بشيء ، لأنّ الوعظ والموعظة والعظة تتقارب أيضا ، فينبغي أن يجيز هذا القائل أن يقال : موعظة نافع وعظة حسن ، وكذلك الذكر والذكرى ، فينبغي أن يقال : ذكرى نافع كما يقال : ذكر نافع.
التاسع : أنّ فعيلا هنا بمعنى النّسب ، فقريب هنا معناه : ذات قرب ، كما يقول الخليل في حائض : إنه بمعنى ذات حيض ، وهذا أيضا باطل لأنّ اشتمال الصفات على معنى النّسب مقصور على أوزان خاصة ، وهي : فعّال وفعل وفاعل.
العاشر : أنّ فعيلا مطلقا يشترك فيه المذكر والمؤنث ، حكى ذلك ابن مالك عن بعض من عاصره ، وهذا القول من أفسد ما قيل ، لأنه خلاف الواقع في كلام العرب ، يقولون : امرأة ظريفة وامرأة عليمة ورحيمة ، ولا يجوز التذكير في شيء من ذلك ، ولهذا قال أبو عثمان المازني في قوله تعالى : (وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) [مريم : ٢٨] : إنّه مفعول والأصل : بغوي ، ثم قلبت الواو الياء والضمة كسرة وأدغمت الياء في الياء ، فأمّا قول الشاعر (١) : [المتقارب]
فتور القيام قطيع الكلا |
|
م تفترّ عن ذي غروب خصر |
فالجواب عنه من أوجه :
أحدها : أنّه نادر.
الثاني : أنّ أصله قطيعة ، ثم حذفت التاء للإضافة ، كقوله سبحانه : (وَإِقامَ *
__________________
(١) مرّ الشاهد رقم (٤٤٢).