فقال الشيخ : يا قاضى منصور كم يوما بقى على ذلك اليوم؟
فأجاب الشيخ : ( ) (١) خطيب جامع القيسونية : بقى يومان فقط يا سلطاننا.
فنهض الشيخ من الفراش بعد أن كان طريحه لمدة شهرين ووقف على قدميه وأخذ يتحرك ويدور بلطف فى البيت مثل طاووس حدائق الجنة ، وكأنه فى سماع خانه جلال الدين الرومى (٢) ، فتحير كل الحاضرين من ذلك ، وتحيرت أنا أيضا لما شاهدت ، وقد تصبب الشيخ عرفا بعد السماع ، وقال لنا : أيها الأبناء لقد عادت لى الحياة وشفيت لأنكم بشرتمونى بخبر خروج الحجاج إلى البركة ، وبذلك وجدت الدنيا والآخرة ، ودعا لنا جميعا بأن يغفر الله لنا وأن يمنحنا طول العمر ، وابتهج بعض الحاضرين من ذلك قائلين الحمد لله لقد شفى الشيخ ، وبعضهم انخرط فى البكاء ، إلا أن الشيخ تحدث إلينا مرة أخرى وقال : أيها الأبناء لى رجاء عندكم ، فى اليوم الذى سيخرج فيه أول موكب للحجاج أخرجونى ولا تحرمونى من رؤية موكب الحجاج فهذه الأيام هى أيام الحج الأكبر ، ضعونى فى صندوق يحمله أربع حيوانات ثم سيروا بى من الجامع الأزهر
__________________
(١) بياض فى الأصل.
(٢) هو جلال الدين الرومى المولود فى بلخ عام ١٢٠٧ م. كان أبوه بهاء الدين ولد من العلماء الأجلاء ، صحبه جلال الدين فى رحلة الحج ، وأثناء عودته مرّ بدمشق ، واستقر به المقام فى قونيه وبها توفى أبوه عام ١٢٢٣ م.
وقد أخذ جلال الدين الرومى التصوف عن الشيخ شمس التبريزى ، وأسس طبقته الصوفية المعروفة بالمولوية ، وقد بين طبقته هذه فى كتاب منظوم له بالفارسية يسمى (المثنوى). وتحلق حوله المريدون وانتشرت طريقته فى الأناضول ، وكان دراويش المولوية موضع توقير رجال الدولة العثمانية حتى جرت العادة بأن يتولى رئيسهم تتويج السلطان العثمانى فى مسجد بايزيد.
وكان من عادة المولوية أنهم بعد صلاة الجمعة يقابلون شيخهم ويجتمعون فيما يعرف ب «سماع خانه» أى : بيت السماع فيمارسون أذكارهم على أنغام المعارف وهم يرقصون بكيفية خاصة بهم وفى رأيهم أن السماع وما يصحبه من رقص إنما يرقق القلوب ، ويسمو بالنفوس ، ويثير الخوف عند التائبين ، ويلهب قلوب المشتاقين.
انظر : معجم الدولة العثمانية : للدكتور حسين مجيب المصرى ص ١٤٢ ـ ١٤٣ (بتصرف) ط. أولى: الدار الثقافية ، القاهرة ٢٠٠٤.