ورئيس الميناء يتقاضى من كل سفينة أربعين أو خمسين قرشا ، وكما يقدم رئيس الميناء للوالى ألف قرش كشوفية ، وفى كل سنة يجرد ما لديه ورئيس الميناء من الرّبابنة ولا يعرف البوغاز شخص آخر سواه ، ففى موضع يكون الماء فيه ضحلا وفى آخر يكون الماء عميقا ، وأما فى وسط البوغاز فطريق عام يحدده القرع العائم ، وحينما يفيض النيل ويصبح كالبحر يدخل البحر الأبيض مائة ميل ، ويتلوّن ماء النيل بالحمرة ويعرف من فيها أن مدينة رشيد قريبة والدعاء مستجاب فى هذا البوغاز ، ويمضى بعض أهل الحال والسلوك فى قواربهم إلى هذا البوغاز ويتعبدون ، ولأن مرج البحرين ورد فى القرآن كما أن موسى ـ عليهالسلام ـ فارق الخضر فى هذا الموضع قال : (قالَ هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) [الكهف : ٧٨] ، وفى البوغاز جزيرة بها ضريح موسى ـ عليهالسلام ـ والخضر ولذلك يأتى إليها كثير من الشيوخ لزيارتهما ، وفى هذا الموضع تلتقى الرياح ، وهذا الموضع يبعد عن النيل بمقدار خمسين ميلا ، وتعلم السفن فى النيل أن النيل يختلط بالبحر ، وإذا ذاق من فى السفن ماء النيل ليلا ووجدوا ماءه عذبا أدركوا أن البوغاز قريب ، فلا تقترب السفن من الشاطئ ، ولم أستطع عبور هذا البوغاز ، ثم ركبنا خيولنا وبلغنا الإسكندرية بعد فى عشر ساعات.
وخلاصة القول أنه بحمد الله بلغنا الموضع الذى يختلط فيه ماء النيل بماء البحر وزرنا ضرائح كبار الأولياء وصلينا ركعتين فى القارب ودعوت الله أن يمكننى من زيارة مصر بأسرها لأنها جنة المأوى كما جاء فى الحديث الصحيح (١).
وقلنا آمين يا معين بحق حرمة سيد المرسلين فعدت ثانية إلى ميناء رشيد وودعت جميع رفاقى خصوصا شيخ زاده عبد الرحمن أفندى والحاج نعمت الله ومندل زاده مصطفى أغا وسائر أرباب الطريقة وركبنا السفينة ، وحملنا فيها كل المأكول والمشروب
__________________
(١) حدّث نبى الله صلىاللهعليهوسلم أنه رأى أربعة أنهار تخرج من أصلها (يعنى سدرة المنتهى) نهران ظاهران ونهران باطنان ، أما النهران الباطنان فنهران فى الجنة ، وأما الظاهران فالنيل والفرات». انظر : صحيح مسلم بشرح النووى (١ / ٩١٨) والبخارى فى المناقب (٣٨٨٧).