الفيضان ويملئون بها الغرائر ويذبحونها فى منازلهم ويتناولون لحمها ويبيعون جلودها ، وهى غاية فى سمنها. وذيلها قصير ونوع منها ذيله طويل ، وشفتها العلوية مشقوقة مثل شفة الأرنب. إنها فأرة غبراء ، زنة الواحدة منها مائة درهم ، ومنها ما يزن رطلا.
وهذا الحيوان يتكاثر فى الأرض بأمر الله ولا يربيه أحد. حتى إنه يكوم أرضه أكواما أكواما ، فيعرف الصيادون من ذلك أن ثمة فأر بها فيحفرون جحره ويخرجون ما به من فئران ويأكلونها.
ولحكمة لا يعلمها إلا الله فإن بعض هذه الفئران فئران إلى وسطهم أما ما تحت وسطهم لا يفترق عن التراب ، بل هو تراب مخلوط بالدم. وهناك فئران على هيئة تراب تنفخ فيها الروح فيما بعد وتصبح لحما ، أما إذا أخرجت قبل ذلك من جحورها وتعرضت للهواء نفقت ، إذ إنها لم تكتمل نموا.
سألت عنها العرب ، فقالوا : إنها تتولد من الماء فى أربعين يوما.
وسألت قائلا : هل تتزاوج هذه الفئران؟ فقالوا : نعم إنها تتزاوج ، إلا أنها لا تلد وذلك بأمر الله.
ثم سألتهم عن نفعها ، فقالوا : إن لحمها سريع الهضم ومن أكله سمن ، وهو جد مقو للباه.
وتلك حكمة عجيبة كذلك ، بيد أن طائفة المعتزلة من ضعافى العقول ينكرون هذا من خلق الله ، ولكنى رأيت ذلك بعينى رأسى وقد دفعت خمس پارات ثم عشر للعربان الّذين يخرجون هذه الفئران من جحورها ، فرأيت أن نصفها ذو روح والنصف الآخر من تراب وبعضها مما نصفها دم ونصفها تراب ليس لها روح. وهذا من عجيب صنع الله. أوليس هذا عبرة لمن يعتبر من بنى الإنسان؟ ، وحسبنا قوله عز من قائل (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً ...) [المؤمنون : ١٤].
دليلا قاطعا على ذلك. ومن لم يسلم بآراء ومعتقدات المعتزلة ويقر آراء أهل الشريعة يقرأ قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة : ٢٠].
ويقصر عن القول.