مئذنة وهذه تحت حكم ملك بربرستان ووصلنا بكل هذا القدر من الهدايا التى كانت معنا إلى هذه القلعة التى ليس فيها شىء يذكر ، إنها فى الصعيد العالى والقوم هناك هزيلو الأجسام لا يزرعون وعلى ضفة النيل ينبت القطن والكتان والبرسيم والسمسم والفول والأرز والعدس ، وفى أرضهم الذهب إلا أنّهم قوم عبيد متمردون ، وفى الصباح خصنا رئيس قائم مقام القلعة بخمسمائة جندى لأن فى هذه الليلة فرّ منّا زنجيان من عبدة النار ثم بعد ذلك مضينا جنوبا وسرنا على شاطئ النيل وبعد مسيرة عشر ساعات على ضفة النيل بلغنا قلعة أمداج أرقو.
قلعة أمداج أرقو
وهى قلعة واسعة فى جزيرة فى نهر النيل قريبة من الجانب الشرقى وهذه الجزيرة قليلة السكان ، وفى الجزيرة غابات أشجار الأبنوس وقدمنا إلى حاكمها الهدايا وسرنا جنوبا تسع ساعات وبلغنا قلعة بنى.
إنها كذلك قلعة فى جزيرة فى النيل تحت حكم البربر ، إنها بناء مربع مرتفع ، وقلعة جميلة ، وقد أتى إليها الإمام مالك فى سياحة له ، وقد شرفوا بالإسلام ، وبعد أن اعتنقوا الدين الحنيف وبناء على اقتراح الإمام مالك أقاموا هذه القلعة ، وعلى باب القلعة كتابات للإمام مالك بالخط الكوفى ، ومقدم الإمام مالك إلى هذه القلعة لأن قطب الأقطاب الشيخ عز الدين كان على قيد الحياة فالتقى به فأصبح فريد زمانه ، والشيخ عز الدين مدفون فى هذه القلعة ، ولخوفهم من هذا القطب سكن جميع سكان الجزيرة خارج هذه القلعة ولا وجود لإنسان داخل القلعة ومن يدخلها من بابها يخلع نعليه ، ولا يستطيع أحد أن يتبول أو يتغوط وهو فيها ، ولقضاء حاجتهم يخرجون إلى ضفة النيل فقد بقى بداخله ثلاثة بلا تغوط ولا تبول وهم لا يربون من الأنعام إلا الحصان والجمل لأن نجاسة باقى الحيوانات نجاسة غليظة ، ولأنه قطب عظيم ولا يجرؤ أحد فى تلك الجزيرة على أن يفعل السوء أو يرتكب إثما أو يظلم أحدا فهو قطب طبق صيته الآفاق ، وقومه من الموحدين ، ومؤمنون من أهل التقوى ، ويقصده المرضى والصغار ليشفوا من مرضهم ؛ فيزول عنهم ما بهم قبل أن يصلوا إلى ضفة النيل ، وسرنا ثمان ساعات على ضفة النيل وبلغنا قلعة أرتد.