حزامى وعرّونى من ثيابى ، وقالوا : «سوف نستولى على ما لك من مال» ؛ ثم قالوا : «كنا نظن أنك تحمل سلاحا فى حزامك» ، ثم لم ينبث أخو الخان ببنت شفة ، وجلس فى مكانه وابتسم ثم ألحّ فى الرجاء طالبا منى أن أبقى ، وتكلم بكلام ونطق ببعض كلمات ، وطلب المعذرة ، وقال إننا طيلة عمرنا لم نشاهد رجلا غريرا مثلك ، وطلب منى أن أقبل يده ، وقال فلترفع العمامة عن رأسك لنرى علامة فى رأسك للجنون ، فقلت إن عمامتنا هكذا فنحن مجاهدون فى سبيل الله ، وفى رأسنا علامة لذلك ندفن بها فنحن لا نحن عمامتنا ، وكان هذا من جوابى ، فأخرج من منطقته عطرا وأهداه لى ، وقدم إلى عودا وعقيقتين ومرجان كما أهدى إلى فتاتين سمراوين ، وثمانية من العبيد السود كما أهديت إليه فيلا عظيما فسرّ لذلك سرورا عظيما ، أما أنا فكنت أعظم منه سرورا ، فإن هذه الفيلة تعتلف كل يوم حمل مائة من الإبل وكأنها تشرب نصف ماء النيل ، ثم فى اليوم الثالث ودّعته ثم ارتحلنا على شاطئ النيل إلى فونجستان ، وسرنا اثنتى عشرة ساعة ، وبلغنا قلعة عطشان.
وصف قلعة عطشان
إنها تقع على الضفة الغربية للنيل وهى مستديرة الشكل ، وبها جامع وستمائة بيت من القصب ، أما حاكم هذه القلعة فرومى اسمه قره على جلبى ، وهو ولد لأم حبشية وبينما كان يمضى إلى مدينة زيلع من الحبشة وقع أسيرا لدى الفونج وهو فى صباه ، ولم يطلق سراحه من الأسر منذ خمسين عاما ، وهو رب أسرة ، وعلى خلق عظيم ومتصوف ، ولقد شاهدنا جامع المدينة وأسواقها السبع والمغنيات والموسيقيين فى حانات البوزه ، وفى البساتين التى فى خارج هذه المدينة ، الشمام والبطيخ ثم مضينا بعد ذلك.
لقد تجولت فى كل البلاد وتجولت فى بلاد الزنوج خصوصا ، وجزت خلال الطرقات ، وبينما كنت فى بستان هذه المدينة كان الفصل فصل البطيخ ولم نشاهد هناك جيادا ، ولكننا سمعنا زمزمة بكتاشى ، ووقفت وقدم على اثنان من البكتاشية لهما سحنة القلندرية وهما كما ظهر أمامنا بعض الصوفية ، وبالسؤال دللنا على الطريق ، وبعد أن سلمنا أمسك خدامنا من البربر بلجم خيولنا ، وجلسوا ، فأمسكت بلجام خيول هؤلاء الصوفية ثم مضينا.