محصول الذرة محصول وافر وينزل من السماء مطر فتصبح الصحراء أرضا ذات زرع ، وتسقى جميع الحدائق بأمر الله ، وفى اليوم الأربعين ينضج المحصول ويجمعونه ويضعونه فى مغاراتهم وينال كل منهم نصيبه منها ويستخرجون منه زيت الذرة ، ويزنونه ثم يضعونه فى المغارات ويسدون عليه الأبواب بحجر واحد ولا يبدو بين الحجرين قطرة ماء ، وتسد أبواب الكهوف ولكنها تذوب فى شهر وتنهمر الأمطار ثلاثة أشهر ويجرف السيل أكوام من التراب من هذه الولاية ويصب السيل فى النيل ، ولكنه يجرى ويفيض من جديد ، ويعود يحمل التراب الأحمر فى ماء النيل ويغمر أرض مصر بهذا الطين مدة ثلاثة أشهر ، وإذا ما انحسر ماء النيل زرع الفلاحون أرض مصر ، وبذلك يتحينون الفرصة لما يعود بالنفع وتنحسر المياه فى شهر يوليه وتزيد فى النيل والطين الأحمر الآتى من ولاية جرسينقه الممتزج بماء المطر هو سبب حمرة أرض مصر ، ويبعد نبع النيل عن ولاية جرسينقه جنوبا مسافة طويلة وهذا ما مر بسمعى بيد أنى لم أستطع الذهاب إلى هناك ، ولله أحمد أنى شاهدت ما على ضفة النيل من عمائر وقلاع ومدن عامرة وآثار غريبة وعجيبة ، وبذلك أتممت السياحة ، وعند نبع النيل قوم يفدون على مدينة جرسينقه ويحضرون معهم سلع مثل البن ومثل البز الخاص بالقمصان وبطانة الثياب ، والقطران ، ولقد أخذت بأطراف الأحاديث فحكوا لى ذلك ، وقالوا أنهم حين يتوجهون من نبع النيل إلى مصر لا يأتون برا لأن الطريق جد مخوف ، ففى الطريق ثعابين سمها زعاف ، كما أن بها الثعابين والحيات والعقارب والفيلة ووحيد القرن والأسود والنمور والفهود والعقاب وغير ذلك من الضوارى ، وهى أرض حجرية جبالية ، وليست عامرة ولذلك يستحيل السير فيها.
وثمة محلة تسمى سنجره ، وأهلها لا يعرفون الدين ما هو ، وإذا رأوا إنسانا غيرهم قبضوا عليه وشووا لحمه وأكلوه. والنيل ينبع من جبل القمر ويبلغ هذه المحلة حتى إذا يختلط بماء البحر الأبيض ، وبذلك يختلط النيل بالبحر العظيم ولا وجود لأنهار أخرى هناك ، وينشعب من النيل روافد وروافد ويجرى فى ولايات ويرويها ، وإذا ما خرج