جبل شوام
فى أسفل هذا الجبل ماء جار وأنه ينبع منه ويجرى شمالا نحو مصر وقد عرفت مقدار ارتفاع هذا الجبل ، وسرنا النهار بطوله وقطعنا سبعين مرحلة وبلغنا عند خط الاستواء ، ولم نصل فى ذلك الموضع ، ومن مصر حتى بلغنا جبل شوام على مدى مائة وثمانين مرحلة على ضفة النيل شاهدنا المدن والقصبات والقلاع ، وعدنا إلى مدينة فرانيه ومكثنا مدة شهرين بها وشهر ونصف فى السودان وفى بعض مواضع فى سنار توقفنا ، وبلغنا جبل شوام وبعد ثمانية أشهر ، وفى الثالث من ذى القعدة عدنا بحمد الله سالمين معافين إلى السودان ، ولكن فى هذه المنطقة ينهمر المطر انهمارا بحيث تجرف السيول الفيلة ، وستة أشهر أيام الخريف يصبح الجو كأنه جو تركيا فغادرنا جبل شوام وانتقلنا شمالا لمدة خمس ساعات.
أوصاف ولاية مدينة جرسينقه
وبيان منابع النيل
إنها ولاية عظيمة ، ولها ملك بربرستان وفى قديم الزمان كان لها ملك مشهور ، ولكن دولته دالت ، فتبعت فونجستان ، إنهم قوم مسلمون على المذهب المالكى واسم ملكها الآن سان الله خان وقد استقبلنا فى معيته مائة ألف جندى ولسلطان الفونج من الهدايا حمل أربعين فيل وحمل مائة بعير ، ولقد ضيفنا الملك ثلاثة أيام وقدموا لنا وللخان الهدايا وغاب جنودنا وما أكثرهم فى بلدة جرسينقه لأن جميع البيوت هناك كهوف فى الجبل من الرخام الأبيض ، وهم ينشئون الكهوف فى الصحراء والجبال ، وليس فى هذه المنطقة زروع ولا نباتات إنها جميعا جبال وصحارى وطبق الآية الكريمة : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) [هود : ٦] يتربى فتيانها وهذه الآية تبين حكمة الله عزوجل تلك ، وقبل شهر يوليو فى كل عام تحمر السماء وتمطر ترابا كالعنبر ، ولكن ترابها بعد ذلك يصبح صخورا فى تلك الأرض ويصبح كل اثنين أو ثلاثة صخور أرضا يملكها الناس ويزرعونها ليل نهار وأكثر ما يزرعون الذرة ، لأن