أن عند منبع النيل مواضع يقيم فيها الكفار ومخاطر كثيرة وأراضى لا عمران فيها ولذلك زهدت فى الذهاب إلى نبع النيل وسوف تكون وجهتنا فى ولاية جرسينقه إلى الشمال ، ولأن ما أمكن الوصول إليه من الإقليم الأول تسع وعشرون درجة من الجنوب ، وشاهدنا مدينة جرسينقه ورأينا أن فيها العجائب والغرائب وأنها نهاية حدود السودان ، وفى الجانب الجنوبى منها ولاية لاجنه ، وفى الجانب الشرقى ولاية دونق ، وفى الشمال حدود سلطنة دومبيه ، والجانب الشمالى أيضا حدود الحبشة ، ويجاورها شمالا بربرستان ، وفى الغرب ولاية فردان ويسكنها عبدة النار.
وعدت من ولاية جرسينقه إلى فونجستان ، ورجوت ملكها وقلت إننا كنا نريد أن نبلغ نبع النيل بيد أننا لم نحقق رغبتنا واعترانا اليأس ولله أدعو أن يتيح لنا المضى فى مائة رجل إلى مراكش وإلى فاس ومدينة قرطبة ومدينة طنجه ومنها إلى الجزائر وتونس وولاية طرابلس ومنها إلى مصر ، وأن نحمل معنا الهدايا لنزور أرجاء مصر كلها وأظهرنا ملك فونجستان على رغبتنا هذه وطلبنا منه الإذن بتحقيقها ، وألححت فى الرجاء ، فوقف الملك وقبل يدى وقال قد كتبت لك إلى سلطان مصر رسالة فيها الإذن لكم بمشاهدة كل الولايات ، وأن تشاهدوا جميع الآثار ولتبعثوا بأخينا العزيز أوليا معزّزا مكرّما إلى مصر إن تريدوا الذهاب إلى مراكش وفاس وهذه الأطراف ليس فى حكمى ، وهى لا ماء فيها وينعدم فيها الأمان ، وسيقولون لكم إن رجلا أبيض البشرة مثلكم لم يقدم هذه البلاد ولم تقع على مثله عيننا فتقع فى الأسر ، وسيعجبون لرؤيتكم وسوف يوجهون إليكم الكثير من الأسئلة فى كل يوم ، فذهابكم إلى هناك غير ممكن إن فاس ومراكش هى نهاية حدود جزيرة مصر وطريقكم مسدود وبيننا وبينها مراحل تقطع فى خمسة أشهر وهى طرق صحراوية وكل من فى معيتكم وخدامكم سوف يتأذون من شدة الحر فساءنى ذلك كثيرا ، وفى ذلك دعوت الله واستخرته فأخذنى النوم فجأة فرأيت فيما يرى النائم جملا صغيرا وعليه رجل يلتفت يمنة ويسرة وهو يسير بين فيل ووحيد القرن ورأيت فى غابة عظيمة جملا كبيرا ففرّ الجمل الصغير فدخلنى فزع شديد ، وورد على خاطري قوله تعالى :