(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق : ٣] فتلوتها ففرّ الجمل من فوقى وعادت إلىّ روحى وأمسكت بالجمل مع رفقائى ثم استيقظت من منامى وبالإلهام فسرت هذا الحلم ؛ فعرفت أن من الخير ذهابى إلى مصر ، وصرفت فكرة الذهاب إلى مراكش وفاس ، وفى الصباح تناولت الفطور مع الملك ودقت الطبول وشد الرحال فغادرنا مدينة جرسينقه واتجهنا شمالا بعيدا عن النيل لمدة ست ساعات ، وبلغنا وقت السحر فى صحراء خلامه وشمالها على مسيرة ثلاث عشرة ساعة مدينة جنجفه.
مدينة جنجفه
قد بنيت فى عهد سليمان عليهالسلام وآثارها دارسه ، وبها بيوت من قصب وثلاثة جوامع ودكاكين وحاكمها سدان لديه عشرة آلاف جندى وغادرناها فى منتصف اليوم بعد عشر ساعات وبلغنا مدينة رميلت الجمال ، وهناك مكثنا يوما ومنها انطلقنا شمالا على ضفة النيل وانتقلنا من قلعة إلى قلعة ومن مدينة إلى مدينة ، ونلنا الهدايا من حكام القلاع والخانات وأعيان الولايات والسلاطين ، وخرجنا للصيد وبعد خمسة وأربعين يوما دخلنا مدينة سنار عاصمة فونجستان وخرج أهلها لاستقبالنا وأطلقت المدافع من القلعة ترحيبا بمقدمنا ، وبقيت فى دارنا أسبوعا كاملا ثم طلبنا الإذن بالرحيل إلى مصر ، فاحتفى الملك بنا وقال على الرأس والعين ، وأمر السلطان لنا بخمسة جياد ومن فونجستان عشرة طواويس وعشرة غلمان وعشر جاريات سود وعشرة أحمال جمال من المؤن وعشرة صناديق من المرجان والعقيق وحجر سيلان الثمين وجوهر عين الهر ومسك وعنبر وحبات سبحة من اللؤلؤ وسيف من سيوف الصحابة وخيمة منقوشة ومائتا صحن من صحون سنار وكؤوس ، ودعا لنا بكل خير وأمر بإحضار السيف والوزير فى معية ألف جندى حتى قلعة أرياجى لأخى السلطان وأعطانا الرسائل ، وفى الصباح غادرنا سنار ورافقنا الملك مرحلة كاملة وعانقنا الملك وودعنا وعزمنا على متابعة السير شمالا حتى الفونج وتلوت الفاتحة وسرنا ثمان ساعات وبلغنا مدينة بقيث.