مدينة بقيث
سبق وصف هذه المدينة كما سبق ذكر قلعة عطشان كما أسلفنا وصف قلعة مدينة أرباجى ، وفى تلك المدينة قال لنا أخو سلطان فونجستان : من ذا الذى سلخ جلد وجوهكم وعيونكم ، وأنتم ضيوفنا ، وقدّم إلينا رفيقا وكلّفه بالقيام لخدمتنا وعاد ، ومن حكمة الله أنه إذا أراد شيئا هيأ أسبابه إذن لكل شىء لا بد من سبب ودليل ذلك من الآية : (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً* فَأَتْبَعَ سَبَباً) [الكهف : ٨٥] وكأنما شاءت قدرة الله أن نمضى إلى ديار أخرى ، وقدم على الخان الذى كنا فيه خمسة أو ستة من الزنوج يجيدون التكلم بالتركية فدار بيننا وبينهم كلام طويل ، ربما كانوا من جند الحبشة ثلاثة منهم من رجال ملك الحبشة ، ومنهم من كان وكيل محمد أغا وهؤلاء قدموا تلك الديار للتجارة ، وقد كرمنا تكريما ، وسألت كم يوما يستغرق من الحبشة إلى تلك المدينة فقال : يستغرق الطريق عشرين يوما ، فتحمست لذلك إلا أنى أخفيت عنهم الرغبة فى المضى إلى الحبشة ، إلى أن شاء الله لنا أن نرحل إلى الحبشة ، وقلت إن شاء الله سيكون ذلك يوم الخميس فقلت : يسّر الله لنا أمرنا فركبنا فى السفن ومضى ما نحمل من هدايا للملك ومع خمسة من رجالنا فأدرك التعب اثنين منهم ، فتلبثنا فى مدينة أرباجى وقد أصيب أحدهم بالسحر ، ولم يستطع المضى إلى السفن لركوبها ومضت أربعون يوما على ذلك ، وفى اليوم الثالث سمعنا أنه قادم إلينا وقدم القلعة وهو يزحف زحفا لضعفه ، فبقى وقد اشتد بنا التعب وقلت لآخرين أن يحضروا ومن الغد قدّم إلينا أخو الملك ثلاثة جياد وعشرة من الإبل ومؤنة وخمس جوار وخمسة عبيد من الزنوج وست أزواج من سن الفيل ، وخمسة أزواج من سن وحيد القرن ، وخيمة وقط مسك وجلد نمر وتهيأ ذلك فى الغد فارتحلنا إلى الحبشة.
* * *