ـ متسولو القاهرة :
ولكن المتسولين الذين لا عمل لهم فكثير فى القاهرة ، ففى القرافات المذكورة ليلة الجمعة وليلة الإثنين لا يسلم أحد من هؤلاء المتسولين الجبابرة. وبعضهم يقترب من أحد الأعيان وبعد أن يلقى السلام عليه يتملقه بمعسول الكلام إلى أن يصل معه إلى بابه.
وهنا وبأسلوب لا يخلو من القحة والوقاحة يقول له المتسول : «أعطنى يا سيدى نفقة أهل بيتى» ، أما إذا كان المار فقيرا فلا يسمح له الشحاذون بالسير فى السوق.
حادثة
اتفق لى ذات يوم أن أردت قضاء حاجتى فدخلت مرحاض جامع السلطان حسن وأغلقت على بابى ولا شعور لى بأحد وبينما كنت أقضى حاجتى فتح على الباب متسول ومد إلى يده قائلا : «أعطنى صدقتى يا سيدى» وعلى الرغم من أننى لم أكن قد تطهرت بعد سارعت إلى إعطائه فقال لى المتسول : «زادك الله نجاسة» وانصرف ؛ بعد ذلك تطهرت وخرجت وتوضأت وصليت فى جامع السلطان حسن ثم التقيت بصديق حميم وقصصت عليه ما وقع لى. فقال لى ذلك الصديق : بالله أمجنون أنت؟ أصلحك الله ، أيلطخ أحد يده بالنجاسة هكذا فقلت له : إذا ما فتح أحد باب المرحاض هكذا وعورتك مكشوفة فذلك أمر الله ، أكان يطلب نقودا؟ فقال هذا الصديق : أكان هذا الرجل أصفر اللحية ، متوسط القامة ، مسطح الجبهة ، مستدير الوجه ، تترى السحنة يشع من وجهه النور؟. قلت : نعم ، إنه تترى السحنة أصفر اللحية. فقال لى أيها الظالم إنه قطب من أقطاب صوفية القاهرة وقد ظهر لك فى بيت الخلاء ليختبرك فلما نظرت إليه نظرة ازدراء واحتقار ومسحت يدك بالنجاسة ، ولذلك دعا الله عليك بأن يزيدك نجاسة. ولما قال لى هذا شرد عقلى وطاش صوابى وبعد مرور شهرين على تلك الواقعة أصبت بمرض «الزحار» وتحققت دعوته على بقوله : «زادك الله نجاسة». ولكنى ولله الحمد تصدقت فشفانى الله من هذا المرض.
فكم من فقراء مصر من المغمورين من لهم عظيم المنزلة عند الله.