الْوَعْدُ) [يونس : ٤٨] ، وهم مشركو مكة فوقع الإظهار في مقام الإضمار عوض أن يقال ما ذا يستعجلون منه لقصد التسجيل عليهم بالإجرام ، وللتنبيه على خطئهم في استعجال الوعيد لأنه يأتي عليهم بالإهلاك فيصيرون إلى الآخرة حيث يفضون إلى العذاب الخالد فشأنهم أن يستأخروا الوعد لا أن يستعجلوه ، فدل ذلك على أن المعنى لا يستعجلون منه إلّا شرا.
وعطفت جملة : (أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ) بحرف المهلة للدلالة على التراخي الرتبي كما هو شأن (ثم) في عطفها الجمل ، لأن إيمانهم بالعذاب الذي كانوا ينكرون وقوعه حين وقوعه بهم أغرب وأهم من استعجالهم به. وهمزة الاستفهام مقدمة من تأخير كما هو استعمالها مع حروف العطف المفيدة للتشريك. والتقدير : ثم أإذا ما وقع ، وليس المراد الاستفهام عن المهلة.
والمستفهم عنه هو حصول الإيمان في وقت وقوع العذاب ، وهذا الاستفهام مستعمل في الإنكار بمعنى التغليط وإفساد رأيهم ، فإنهم وعدوا بالإيمان عند نزول العذاب استهزاء منهم فوقع الجواب بمجاراة ظاهر حالهم وبيان أخطائهم ، أي أتؤمنون بالوعد عند وقوعه على طريقة الأسلوب الحكيم ، كقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِ) [البقرة : ١٨٩].
وكلمة (آلْآنَ) استفهام إنكاري عن حصول إيمانهم عند حلول ما توعدهم ، فعبر عن وقت وقوعه باسم الزمان الحاضر وهو (الآن) حكاية للسان حال منكر عليهم في ذلك الوقت استحضر حال حلول الوعد كأنه حاضر في زمن التكلم ، وهذا الاستحضار من تخييل الحالة المستقبلة واقعة. ولذلك يحسن أن نجعل (آلآن) استعارة مكنية بتشبيه الزمن المستقبل بزمن الحال ، ووجه الشبه الاستحضار. ورمز إلى المشبه به بذكر لفظ من روادفه ، وهو اسم الزمن الحاضر.
وجملة : (وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) ترشيح ، وإما تقدير قول في الكلام ، أي يقال لهم إذا آمنوا بعد نزول العذاب آلآن آمنتم ، كما ذهب إليه أكثر المفسرين. فذلك تقدير معنى لا تقدير نظم وإعراب لأن نظم هذا الكلام أدق من ذلك.
ومعنى : (تَسْتَعْجِلُونَ) تكذبون ، فعبر عن التكذيب بالاستعجال حكاية لحاصل قولهم (مَتى هذَا الْوَعْدُ) [يونس : ٤٨] الذي هو في صورة الاستعجال ، والمراد منه التكذيب.