وجهان في مضارع (عزب).
و (من) في قوله : (مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ) مزيدة لتأكيد عموم النفي الذي في (ما يَعْزُبُ).
والمثقال : اسم آلة لما يعرف به مقدار ثقل الشيء فهو وزن مفعال من ثقل ، وهو اسم لصنج مقدر بقدر معين يوزن به الثقل.
والذرة : النملة الصغيرة ، ويطلق على الهباءة التي ترى في ضوء الشمس كغبار دقيق جدا ، والظاهر أن المراد في الآية الأول. وذكرت الذرة مبالغة في الصغر والدقة للكناية بذلك عن إحاطة العلم بكل شيء فإن ما هو أعظم من الذرة يكون أولى بالحكم.
والمراد بالأرض والسماء هنا العالم السفلي والعالم العلوي. والمقصود تعميم الجهات والأبعاد بأخصر عبارة. وتقديم الأرض هنا لأن ما فيها أعلق بالغرض الذي فيه الكلام وهو أعمال الناس فإنهم من أهل الأرض بخلاف ما في سورة سبأ [٣] (عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) فإنه لما كان المقام لذكر علم الغيب والغيب ما غاب عن الناس ومعظمه في السماء لاءم ذلك أن قدمت السماء على الأرض.
وعطف (وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ) على (ذَرَّةٍ) تصريحا بما كني عنه بمثقال ذرة من جميع الأجرام.
و (أَصْغَرَ) بالفتح في قراءة الجمهور ممنوعا من الصرف لأنه معطوف على ذَرَّةٍ) المجرور على أنّ (لا) مقحمة لتأكيد النفي. وجوز أن يكون العطف عطف جملة وتكون (لا) نافية للجنس و (أَصْغَرَ) اسمها مبنيا على الفتح فيكون ابتداء كلام.
وقرأ حمزة وخلف ويعقوب ولا أصغر ـ ولا أكبر برفعهما باعتبار عطف (أَصْغَرَ) على محل (مِثْقالِ) لأنه فاعل (يَعْزُبُ) في المعنى ، وكسرته كسرة جر الحرف الزائد وهو وجه من فصيح الاستعمال ، أو باعتبار عطف الجملة على الجملة وتكون (لا) نافية عاملة عمل ليس و (أَصْغَرَ) اسمها.
والاستثناء على الوجهين الأوّلين من قراءتي نصب (أَصْغَرَ) ورفعه استثناء منقطع بمعنى (لكن) ، أي لا يعزب ذلك ولكنه حاضر في كتاب ، وجوز أن يكون استثناء متصلا من عموم أحوال عزوب مثقال الذرة وأصغر منها وأكبر. وتأويله أن يكون من تأكيد الشيء بما يشبه ضده. والمعنى لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء إلا في حال كونه