الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٨))
بيان لجملة (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) [يونس : ٦٦] إلى آخرها ، وفي هذا البيان إدماج بحكاية فن من فنون كفرهم مغاير لادعاء شركاء لله ، لأن هذا كفر خفي من دينهم ، ولأن الاستدلال على إبطاله مغاير للاستدلال على إبطال الشركاء.
فضمير (قالُوا) عائد إلى (الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ) [يونس : ٦٦] أي قال المشركون (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً). وليس المراد من الضمير غيرهم من النصارى لأن السورة مكية والقرآن المكي لم يتصد لإبطال زيغ عقائد أهل الكتاب ، ذلك أن كثيرا منهم كانوا يزعمون أن لله بنات هم الملائكة ، وهم بناته من سروات نساء الجن ، ولذلك عبدت فرق من العرب الجن قال تعالى : ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول (لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) [سبأ : ٤٠ ، ٤١].
والاتخاذ : جعل شيء لفائدة الجاعل ، وهو مشتق من الأخذ لأن المتخذ يأخذ الشيء الذي يصطفيه. وقد تقدم في قوله تعالى : (أَتَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً) في سورة الأنعام [٧٤] ، وقوله : (وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً) في الأعراف [١٤٦] ، فالاتخاذ يصدق على أخذ شيء موجود للاستئثار به ، ويصدق على تكوين شيء للانتفاع به. وهو هنا صالح للمعنيين لأن منهم من يعتقد تولد الولد عن الله تعالى ، ومنهم من يعتقد أن الله تبنّى بعض مخلوقاته.
والولد : اسم مصوغ على وزن فعل مثل عمد وعرب. وهو مأخوذ من الولادة ، أي النتاج. يقال : ولدت المرأة والناقة ، ولعل أصل الولد مصدر ممات على وزن فعل مثل الفرح. ومن أجل ذلك أطلق على الواحد والجمع كما يوصف بالمصدر. يقال : هؤلاء ولد فلان. وفي الحديث «أنا سيد ولد آدم» والمراد هنا الجمع لأنهم قالوا : الملائكة بنات الله استولدها من سروات الجن قال تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ) [النحل : ٥٧].
وجملة : (سُبْحانَهُ) إنشاء تنزيه للرد عليهم ، فالجملة جواب لذلك المقال ولذلك فصلت عن التي قبلها. وهو اسم مصدر ل (سبّح) إذا نزّه ، نائب عن الفعل ، أي نسبحه. وتقدم عند قوله تعالى : (قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا) في سورة البقرة [٣٢] ، أي تنزيها لله عن هذا لأن ما قالوه يستلزم تنقيص الله تعالى ، ولذلك بينت جملة التنزيه بجملة : (هُوَ