الْغَنِيُ) بيانا لوجه التنزيه ، أي هو الغني عن اتخاذ الولد ، لأن الإلهية تقتضي الغنى المطلق عن كل احتياج إلى مكمل نقص في الذات أو الأفعال ، واتخاذ الولد إما أن ينشأ عن اندفاع طبيعي لقضاء الشهوة عن غير قصد التوليد وكونها نقصا غير خفي ، وإما أن ينشأ عن القصد والتفكير في إيجاد الولد ، وذلك لا يكون إلا لسد ثلمة نقص من حاجة إلى معنى في الحياة أو خلف بعد الممات. وكل ذلك مناف للإلهية التي تقتضي الاتصاف بغاية الكمال في الذات والصفات والأفعال.
والغنيّ : الموصوف بالغنى ، فعيل للمبالغة في فعل (غني) عن كذا إذا كان غير محتاج ، وغنى الله هو الغنى المطلق ، وفسر في أصول الدين الغنى المطلق بأنه عدم الافتقار إلى المخصّص وإلى المحل ، فالمخصص هو الذي يعين للممكن إحدى صفتي الوجود أو العدم عوضا عن الأخرى ، فبذلك ثبت للإله الوجود الواجب ، أي الذي لا يتصور انتفاؤه ولذلك انتفى عنه التركيب من أجزاء وأبعاض ومن أجل ذلك امتنع أن ينفصل عنه شيء منه ، والولد ينشأ من جزء منفصل عن الوالد ، فلا جرم أن كان الغنيّ منزّها عن الولد من جهة الانفصال ، ثم هو أيضا لا يجوز أن يتخذ بعض المخلوقات ولدا له بالتبني لأجل كونه غنيا عن الحاجات التي تبعث على اتخاذ الولد من طلب معونة أو إيناس أو خلف ، قال تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء : ٢٦] وقال : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ) [الأنعام : ١٠١].
وجملة : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) مقررة لوصف الغنى بأن ما في السماوات وما في الأرض ملكه ، فهو يسخر كل موجود لما خلقه لأجله ، فلا يحتاج إلى إعانة ولد ، ولا إلى ترفيع رتبة أحد استصناعا له كما يفعل الملوك لقواد جيوشهم وأمراء أقطارهم وممالكهم لاكتساب مودتهم وإخلاصهم. وهذا مساو للاستدلال على نفي الشريك في قوله آنفا (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) [يونس : ٦٦] ودل قوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) على أن صفة العبودية تنافي صفة البنوة وذلك مثل قوله : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ) [الأنبياء : ٢٦].
ويؤخذ من هذا أن الولد لا يسترقّ لأبيه ولا لأمّه ولذلك يعتق الولد على من يملكه من أب أو أم وإن عليا.
وجملة : (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بِهذا) جواب ثان لقولهم : (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) فلذلك