جملة : (وَقالَ فِرْعَوْنُ) عطف على جملة : (قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) [يونس : ٧٦] ، فهذه الجملة في حكم جواب ثان لحرف (لما) حكي أولا ما تلقّى به فرعون وملؤه دعوة موسى ومعجزته من منع أن يكون ما جاء به تأييدا من عند الله. ثم حكي ثانيا ما تلقى به فرعون خاصة تلك الدعوة من محاولة تأييد قولهم : (إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) [يونس : ٧٦] ليثبتوا أنهم قادرون على الإتيان بمثلها مما تحصيل أسبابه من خصائص فرعون ، لما فيه من الأمر لخاصة الأمة بالاستعداد لإبطال ما يخشى منه.
والمخاطب بقوله : (ائْتُونِي) هم ملأ فرعون وخاصته الذين بيدهم تنفيذ أمره.
وأمر بإحضار جميع السحرة المتمكنين في علم السحر لأنهم أبصر بدقائقه ، وأقدر على إظهار ما يفوق خوارق موسى في زعمه ، فحضورهم مغن عن حضور السحرة الضعفاء في علم السحر لأن عملهم مظنة أن لا يوازي ما أظهره موسى من المعجزة فإذا أتوا بما هو دون معجزة موسى كان ذلك مروجا لدعوة موسى بين دهماء الأمة.
والعموم في قوله : (بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ) عموم عرفي ، أي بكل ساحر تعلمونه وتظفرون به ، أو أريد (بِكُلِ) معنى الكثرة ، كما تقدم في قوله : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ) في سورة البقرة [٤٥].
وجملة : (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ) عطف على جملة : (وَقالَ فِرْعَوْنُ) ، عطف مجيء السحرة وقول موسى لهم على جملة : (قالَ فِرْعَوْنُ) بفاء التعقيب للدلالة على الفور في إحضارهم وهو تعقيب بحسب المتعارف في الإسراع بمثل الشيء المأمور به ، والمعطوف في المعنى محذوف لأن الذي يعقب قوله : (ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ) هو إتيانهم بهم ، ولكن ذلك لقلة جدواه في الغرض الذي سيقت القصة لأجل حذف استغناء عنه بما يقتضيه ويدل عليه دلالة عقلية ولفظية من قوله : (جاءَ السَّحَرَةُ) على طريقة الإيجاز. والتقدير : فأتوه بهم فلما جاءوا قال لهم موسى. والتعريف في (السَّحَرَةُ) تعريف العهد الذكري.
وإنما أمرهم موسى بأن يبتدءوا بإلقاء سحرهم إظهارا لقوة حجة لأن شأن المبتدئ بالعمل المتباري فيه أن يكون أمكن في ذلك العمل من مباريه ، ولا سيما الأعمال التي قوامها التمويه والترهيب ، والتي يتطلّب المستنصر فيها السبق إلى تأثر الحاضرين وإعجابهم ، وقد ذكر القرآن في آيات أخرى أن السحرة خيّروا موسى بين أن يبتدئ هو بإظهار معجزته وبين أن يبتدءوا ، وأن موسى اختار أن يكونوا المبتدئين.