يَكْفُرُونَ (٤))
وقع أمرهم بعبادته عقب ذكر الجزاء إنذارا وتبشيرا ، فالجملة كالدليل على وجوب عبادته ، وهي بمنزلة النتيجة الناشئة عن إثبات خلقه السماوات والأرض لأن الذي خلق مثل تلك العوالم من غير سابق وجود لا يعجزه أن يعيد بعض الموجودات الكائنة في تلك العوالم خلقا ثانيا. ومما يشير إلى هذا قوله : (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) ، فبدأ الخلق هو ما سبق ذكره ، وإعادته هي ما أفاده قوله : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) ولذلك فصلت عن التي قبلها لما بينهما من شبه كمال الاتصال ، على أنها يجوز كونها خبرا آخر عن قوله : (إِنَّ رَبَّكُمُ) [يونس : ٣] ، أو عن قوله : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ) [يونس : ٣].
وقد تضمنت هذه الجملة إثبات الحشر الذي أنكروه وكذبوا النبي صلىاللهعليهوسلم لأجله.
وفي تقديم المجرور في قوله : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) إفادة القصر ، أي لا إلى غيره ، قطعا لمطامع بعضهم القائلين في آلهتهم (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] يريدون أنهم شفعاء على تسليم وقوع البعث للجزاء ، فإذا كان الرجوع إليه لا إلى غيره كان حقيقا بالعبادة وكانت عبادة غيره باطلا.
والمرجع : مصدر ميمي بمعنى الرجوع. وقد تقدم في قوله : (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في سورة العقود [١٠٥].
و (جَمِيعاً) حال من ضمير المخاطبين المضاف إليه المصدر العامل فيه.
وانتصب (وَعْدَ اللهِ) على المفعولية المطلقة توكيدا لمضمون الجملة المساوية له ، ويسمى موكّدا لنفسه في اصطلاح النحاة لأن مضمون (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) الوعد بإرجاعهم إليه وهو مفاد وعد الله ، ويقدر له عامل محذوف لأن الجملة المؤكدة لا تصلح للعمل فيه. والتقدير : وعدكم الله وعدا حقا.
وانتصب (حَقًّا) على المفعولية المطلقة المؤكدة لمضمون جملة (وَعْدَ اللهِ) باعتبار الفعل المحذوف. ويسمى في اصطلاح النحاة مؤكدا لغيره ، أي مؤكدا لأحد معنيين تحتملهما الجملة المؤكدة.
وجملة : (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) واقعة موقع الدليل على وقوع البعث وإمكانه بأنه قد ابتدأ خلق الناس ، وابتداء خلقهم يدل على إمكان إعادة خلقهم بعد العدم ، وثبوت إمكانه يدفع تكذيب المشركين به ، فكان إمكانه دليلا لقوله : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) وكان الاستدلال