على إمكانه حاصلا من تقديم التذكير ببدء خلق السماوات والأرض كقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧].
وموقع (إن) تأكيد الخبر نظرا لإنكارهم البعث ، فحصل التأكيد من قوله : (ثُمَّ يُعِيدُهُ) أما كونه بدأ الخلق فلا ينكرونه.
وقرأ الجمهور (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ) بكسر همزة (إنه). وقرأه أبو جعفر بفتح الهمزة على تقدير لام التعليل محذوفة ، أي حق وعده بالبعث لأنه يبدأ الخلق ثم يعيده فلا تعجزه الإعادة بعد الخلق الأول ، أو المصدر مفعول مطلق منصوب بما نصب به (وَعْدَ اللهِ) أي وعد الله وعدا بدء الخلق ثم إعادته فيكون بدلا من (وَعْدَ اللهِ) بدلا مطابقا أو عطف بيان.
ويجوز أن يكون المصدر المنسبك من (أنّ) وما بعدها مرفوعا بالفعل المقدر الذي انتصب (حقا) بإضماره. فالتقدير : حقّ حقا أنه يبدأ الخلق ، أي حق بدؤه الخلق ثم إعادته.
والتعليل بقوله : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) إلخ إبداء لحكمة البعث وهي الجزاء على الأعمال المقترفة في الحياة الدنيا ، إذ لو أرسل الناس على أعمالهم بغير جزاء على الحسن والقبيح لاستوى المحسن والمسيء ، وربما كان بعض المسيئين في هذه الدنيا أحسن فيها حالا من المحسنين. فكان من الحكمة أن يلقى كل عامل جزاء عمله. ولم يكن هذا العالم صالحا لإظهار ذلك لأنه وضع نظامه على قاعدة الكون والفساد ، قابلا لوقوع ما يخالف الحق ولصرف الخيرات عن الصالحين وانهيالها على المفسدين والعكس لأسباب وآثار هي أوفق بالحياة المقررة في هذا العالم ، فكانت الحكمة قاضية بوجود عالم آخر متمحض للكون والبقاء وموضوعا فيه كل صنف فيما يليق به لا يعدوه إلى غيره إذ لا قبل فيه لتصرفات وتسببات تخالف الحق والاستحقاق. وقدم جزاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات لشرفه ولياقته بذلك العالم ، ولأنهم قد سلكوا في عالم الحياة الدنيا ما خلق الله الناس لأجله ولم يتصرفوا فيه بتغليب الفساد على الصلاح.
والباء في (بِالْقِسْطِ) صالحة لإفادة معنى التعدية لفعل الجزاء ومعنى العوض. والقسط : العدل. وهو التسوية بين شيئين في صفة والجزاء بما يساوي المجزي عليه. وتقدم في قوله : (قائِماً بِالْقِسْطِ) في أول آل عمران [١٨]. فتفيد الباء أنهم يجزون بما يعادل أعمالهم الصالحة فيكون جزاؤهم صلاحا هنالك وهو غاية النعيم ، وأن ذلك الجزاء