يسألها من الله فتعيّن أنّه سأل له المغفرة ، ويدلّ لذلك قوله تعالى : (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) كما سيأتي.
ويجوز أن يكون دعاء نوح ـ عليهالسلام ـ هذا وقع قبل غرق النّاس ، أي نادى ربّه أن ينجي ابنه من الغرق.
ويجوز أن يكون بعد غرق من غرقوا ، أي نادى ربّه أن يغفر لابنه وأن لا يعامله معاملة الكافرين في الآخرة.
والنّداء هنا نداء دعاء فكأنّه قيل : ودعا نوح ربّه ، لأنّ الدعاء يصدّر بالنّداء غالبا ، والتّعبير عن الجلالة بوصف الربّ مضافا إلى نوح ـ عليهالسلام ـ تشريف لنوح وإيماء إلى رأفة الله به وأن نهيه الوارد بعده نهي عتاب.
وجملة (فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) بيان للنّداء ، ومقتضى الظّاهر أن لا تعطف بفاء التفريع كما لم يعطف البيان في قوله تعالى : (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) [مريم : ٣ ، ٤] ، وخولف ذلك هنا. ووجّه في «الكشاف» اقترانه بالفاء بأنّ فعل (نادى) مستعمل في إرادة النداء ، أي مثل فعل (قمتم) في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) [المائدة : ٦] الآية ، يريد أن ذلك إخراج للكلام على خلاف مقتضى الظاهر فإنّ وجود الفاء في الجملة التي هي بيان للنداء قرينة على أن فعل (نادى) مستعار لمعنى إرادة النداء ، أي أراد نداء ربه فأعقب إرادته بإصدار النداء ، وهذا إشارة إلى أنه أراد النداء فتردّد في الإقدام عليه لما علم من قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) [هود : ٤٠] فلم يطل تردّده لمّا غلبته الشفقة على ابنه فأقدم على نداء ، ربه ، ولذلك قدم الاعتذار بقوله : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي). فقوله : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) خبر مستعمل في الاعتذار والتمهيد لأنّه يريد أن يسأل سؤالا لا يدري قبوله ولكنّه اقتحمه لأن المسئول له من أهله فله عذر الشفقة عليه. وتأكيد الخبر ب (إِنَ) للاهتمام به.
وكذلك جملة (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) خبر مستعمل في لازم الفائدة. وهو أنّه يعلم أن وعد الله حق.
والمراد بالوعد ما في قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) [المؤمنون : ٣٧] إذ أفاد ذلك أن بعض أهله قد سبق من الله تقدير بأنّه لا يركب السفينة. وهذا الموصول متعيّن لكونه صادقا على ابنه إذ ليس غيره من أهله