وجملة (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) تعليل لمضمون جملة (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) ف (إنّ) فيه لمجرد الاهتمام.
و (عَمَلٌ) في قراءة الجمهور ـ بفتح الميم وتنوين اللام ـ مصدر أخبر به للمبالغة وبرفع (غَيْرُ) على أنه صفة (عمل). وقرأه الكسائي ، ويعقوب (عَمَلٌ) ـ بكسر الميم ـ بصيغة الماضي وبنصب (غَيْرُ) على المفعولية لفعل (عمل). ومعنى العمل غير الصالح الكفر ، وأطلق على الكفر (عمل) لأنه عمل القلب ، ولأنّه يظهر أثره في عمل صاحبه كامتناع ابن نوح من الركوب الدال على تكذيبه بوعيد الطوفان.
وتفرع على ذلك نهيه أن يسأل ما ليس له به علم نهي عتاب ، لأنّه لما قيل له (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) بسبب تعليله بأنه عمل غير صالح ، سقط ما مهد به لإجابة سؤاله ، فكان حقيقا بأن لا يسأله وأن يتدبّر ما أراد أن يسأله من الله.
وقرأه نافع ، وابن عامر ، وأبو جعفر «فلا تسألنّي» ـ بتشديد النون ـ وهي نون التوكيد الخفيفة ونون الوقاية أدغمتا. وأثبت ياء المتكلم من عدا ابن كثير من هؤلاء. أما ابن كثير فقرأ «فلا تسألنّ» ـ بنون مشدة مفتوحة ـ. وقرأه أبو عمرو ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، ويعقوب ، وخلف «فلا تسألن» ـ بسكون اللام وكسر النون مخففة ـ على أنّه غير مؤكد بنون التوكيد ومعدى إلى ياء المتكلم.
وأكثرهم حذف الياء في حالة الوصل ، وأثبتها في الوصل ورش عن نافع وأبو عمرو.
ثم إن كان نوح ـ عليهالسلام ـ لم يسبق له وحي من الله بأن الله لا يغفر للمشركين في الآخرة كان نهيه عن أن يسأل ما ليس له به علم ، نهي تنزيه لأمثاله لأن درجة النبوءة تقتضي أن لا يقدم على سؤال ربه سؤلا لا يعلم إجابته. وهذا كقوله تعالى : (وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) [سبأ : ٢٣] وقوله : (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) [النبإ : ٣٨] ، وإن كان قد أوحي إليه بذلك من قبل ، كما دل عليه قوله : (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُ) ، وكان سؤاله المغفرة لابنه طلبا تخصيصه من العموم. وكان نهيه نهي لوم وعتاب حيث لم يتبيّن من ربه جواز ذلك.
وكان قوله : (ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) محتملا لظاهره ، ومحتملا لأن يكون كناية عن العلم بضده ، أي فلا تسألني ما علمت أنه لا يقع.