فهذه الجملة معطوفة على جملة (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) [يونس : ٧] الآية ، فحيث ذكر عذابهم الذي هم آئلون إليه ناسب أن يبين لهم سبب تأخير العذاب عنهم في الدنيا لتكشف شبهة غرورهم وليعلم الذين آمنوا حكمة من حكم تصرف الله في هذا الكون. والقرينة على اتصال هذه الجملة بجملة (إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) [يونس : ٧] قوله في آخر هذه (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
فبينت هذه الآية أن الرفق جعله الله مستمرا على عباده غير منقطع عنهم لأنه أقام عليه نظام العالم إذ أراد ثبات بنائه ، وأنه لم يقدّر توازي الشر في هذا العالم بالخير لطفا منه ورفقا ، فالله لطيف بعباده ، وفي ذلك منة عظيمة عليهم ، وأن الذين يستحقون الشر لو عجل لهم ما استحقوه لبطل النظام الذي وضع عليه العالم.
والناس : اسم عام لجميع الناس ، ولكن لما كان الكلام على إبطال شبهة المشركين وكانوا المستحقين للشرّ كانوا أول من يتبادر من عموم الناس ، كما زاده تصريحا قوله : فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
وقد جاء نظم الآية على إيجاز محكم بديع ، فذكر في جانب الشر (يُعَجِّلُ) الدال على أصل جنس التعجيل ولو بأقل ما يتحقق فيه معناه ، وعبر عن تعجيل الله الخير لهم بلفظ (اسْتِعْجالَهُمْ) الدال على المبالغة في التعجيل بما تفيده زياد السين والتاء لغير الطلب إذ لا يظهر الطلب هنا ، وهو نحو قولهم : استأخر واستقدم واستجلب واستقام واستبان واستجاب واستمتع واستكبر واستخفى وقوله تعالى : (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) [نوح : ٧]. ومعناه : تعجّلهم الخير ، كما حمله عليه في «الكشاف» للإشارة إلى أن تعجيل الخير من لدنه.
فليس الاستعجال هنا بمعنى طلب التعجيل لأن المشركين لم يسألوا تعجيل الخير ولا سألوه فحصل ، بل هو بمعنى التعجيل الكثير ، كما في قول سلميّ بن ربيعة :
وإذا العذارى بالدخان تقنّعت |
|
واستعجلت نصب القدور فملت |
(أي تعجلت) ، وهو في هذا الاستعمال مثله في الاستعمال الآخر يتعدى إلى مفعول ، كما في البيت وكما في الحديث «فاستعجل الموت».
وانتصب (اسْتِعْجالَهُمْ) على المفعولية المطلقة المفيدة للتشبيه ، والعامل فيه يُعَجِّلُ).