والمعنى : ولو يعجل الله للناس الشر كما يجعل لهم الخير كثيرا ، فقوله : اسْتِعْجالَهُمْ) مصدر مضاف إلى مفعوله لا إلى فاعله ، وفاعل الاستعجال هو الله تعالى كما دل عليه قوله : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ).
والباء في قوله : (بِالْخَيْرِ) لتأكيد اللصوق ، كالتي في قوله تعالى : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦]. وأصله : استعجالهم الخير ، فدلّت المبالغة بالسين والتاء وتأكيد اللصوق على الامتنان بأن الخير لهم كثير ومكين. وقد كثر اقتران مفعول فعل الاستعجال بهذه الباء ولم ينبهوا عليه في مواقعه المتعددة. وسيجيء في النحل.
وقد جعل جواب (لو) قوله : (لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) ، وشأن جواب (لو) أن يكون في حيز الامتناع ، أي وذلك ممتنع لأن الله قدّر لآجال انقراضهم ميقاتا معيّنا (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) [الحجر : ٥].
والقضاء : التقدير.
والأجل : المدة المعينة لبقاء قوم. والمعنى : لقضي إليهم حلول أجلهم. ولما ضمن (قضي) معنى بلغ ووصل عدي ب (إلى). فهذا وجه تفسير الآية وسر نظمها ، ولا يلتفت إلى غيره في فهمها. وهذا المعنى مثل معنى (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) في سورة الأنعام [٥٨].
وجملة : (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) إلخ مفرعة على جملة (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ) إلى آخرها.
وقرأ الجمهور (لَقُضِيَ) بالبناء للنائب ورفع (أَجَلُهُمْ) على أنه نائب الفاعل. وقرأه ابن عامر ويعقوب بفتح القاف والضاد ونصب (أَجَلُهُمْ) على أن في (قضي) ضميرا عائدا إلى اسم الجلالة في قوله : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ) إلخ.
وجملة : (فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا) مفرعة على جملة (لو) وجوابها المفيدة انتفاء أن يجعل الله للناس الشر بانتفاء لازمه وهو بلوغ أجلهم إليهم ، أي فإذا انتفى التعجيل فنحن نذر الذين لا يرجون لقاءنا يعمهون ، أي نتركهم في مدة تأخير العذاب عنهم متلبسين بطغيانهم ، أي فرط تكبرهم وتعاظمهم.
والعمه : عدم البصر. وإنما لم ينصب الفعل بعد الفاء لأن النصب يكون في جواب النفي المحض ، وأما النفي المستفاد من (لو) فحاصل بالتضمن ، ولأن شأن جواب النفي